ثلاثة عوامل تتظافر لإنتاج الأزمات العراقية بعد التغيير:
1-التركة الكارثية للنظام الصدامي المباد على مختلف الصعد والتي صعبت جميع محاولات النهوض باعادة انتاج الدولة.
2-فشل العملية السياسية بانتاج الدولة الوطنية الموحدة بسبب تبني النظام التوافقي العرقطائفي لبناء الدولة، وهو نظام لا يركب ولا يشتغل في ظل الظروف الإقتصادية والمجتمعية والثقافية العراقية الراهنة، ويؤدي ndash;هذا النظام- وفق الاشتراطات الحالية الى قيام نظام الدويلات المقنع (النموذج اللبناني) المهدد بالتعارض المفضي الى التقسيم (النموذج اليوغسلافي) أو المنساق بالضعف لينهار داخلياً (النموذج الصومالي).
3-الفعل النوعي المضاد لمعظم دول الإقليم لإحتواء التغيير في العراق واجهاضه من خلال سياسة: المقاطعة السياسية، والإرهاب المنظم، والإعلام المضاد، والإحتواء السلبي.

الستراتيجيات الكبرى
1-هناك اربع ستراتيجيات كبرى يقع العراق في مجالها المغناطيسي، وتنشط بشكل مباشر لضمان احتواء العراق أو توجيهه، هي: الستراتيجية الأميركية، والستراتيجية السعودية، والستراتيجية الإيرانية، والستراتيجية التركية.
2-تسعى هذه الستراتيجيات بشتى الوسائل لضمان وقوع العراق في مجالها الحيوي.
3-يشهد العراق صراعاً واستقطاباً حاداً بين هذه الستراتيجيات.

النماذج الثلاثة
هناك ثلاثة نماذج مفترضة للدولة العراقية المراد انتاجها بعد 2003، هي: ( نموذج اللا دولة، دولة الإنحياز، ودولة التوازن الستراتيجي)، يتوقف ولادة أحدها على نتائج الصراع العراقي العراقي وعلى مخاضات التحولات الشرق أوسطية الجارية وعلى احتكاك وتصادم الستراتيجيات الأربع آنفة الذكر. ونماذج الدولة العراقية المرشحة هي:
1- نموذج اللا دولة: وأعني به غياب نموذج واضح للدولة فلا هي موحدة ولا هي مقسمة، مع هوية هجينة فلا يمكن اعتبارها مركزية أو لا مركزية أو فدرالية أو كنفدرالية،.. إنَّ غياب شكل وهوية محددة للدولة أدى لفشل انتظام سياقاتها ومؤسساتها ووحدتها المعيارية فخلق انقسام (الأمة/الدولة) على نفسها، وأنتج فشلاً معيارياً لوحدتها ولفعلها السياسي والإقتصادي، وأوجد بيئة مناسبة للتداخل والتدخل والإستلاب الإقليمي والدولي،.. وبعد، شكل أفضل نموذج للتدويل الدائم النافي للسيادة، وأمثل نموذج لإمتصاص الأزمات وتفريغ شحنات التصادم لستراتيجيات المنطقة المتصارعة ولتمرير الأجندات الكونية لخلق أوضاع كونية جديدة.
2- نموذج دولة الإنحياز: وهو نموذج وقوع الدولة العراقية في المجال الحيوي لإحدى الستراتيجيات الأربع، كأن تكون (منحازة عربياً) لتكون (بوابة شرقية) جديدة ضد المحور الإيراني، أو تكون (منحازة ايرانياً) لتكون موقعاً ايرانياً متقدماً ضد المحور العربي، أو تكون (منحازة أميركياً) لتكون محطة متقدمة لسياسية الأميركية في المنطقة..الخ. إن نموذج الإنحياز يعتبر نموذجاً انتحارياً يؤدي الى اعادة انتاج ازمات العراق والمنطقة.
3- نموذج دولة التوازن الستراتيجي: وهو نموذج الدولة العراقية اللاعبة لدور التوازن الإقليمي والدولي الفعال، بما يؤهل العراق ليكون قوة استرتيجية حقيقية موازنة ومتوازنة . إنّ التوازن الفعال يعني (دولة عراقية قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً قادرة على حفظ التوازن الإيجابي بين ستراتيجيات المنطقة)، وهو النموذج الأفضل للعراق والمنطقة.

ما يحتاجه نموذج التوازن (دولة التوازن)
لقيام دولة التوازن الستراتيجي لابد من مشروع وطني مدني قادر على انتاج دولة وطنية مدنية موحدة، ففشل مشروع الدولة أو انجازه على وفق متطلبات الستراتيجيات الإقليمية والدولية المتعارضة أو قيامه على وفق نظام الدويلات العرقية أو الطائفية،.. سيسقط العراق كله كمشروع مجتمع ودولة في فلك الفوضى أو في فلك الإحتراب العرقطائفي أو في سياق الستراتيجيات الأخرى، وسيدمر ذاته والمنطقة.
يتطلب نجاح مشروع الدولة الوطنية المدنية اعادة تنظيم الرؤى والسياسات والإرادات العراقية على وفق متطلبات المشروع الوطني واستحقاقاته المدنية، بما في ذلك الشروع لإعادة قراءة وهندسة العملية السياسية العراقية وما تتطلبه من سياسات تصحيحية جريئة لتنقيتها من مصداتها الذاتية التي تولّد الأزمات والتي تحول دون تكامل مشروع الدولة وفي الطليعة مصدات النظام التوافقي العرقطائفي. ويتطلب أيضاً خارطة طريق واضحة لحماية ورعاية نموذج الدولة العراقية الوطنية المدنية من التدمير الذاتي أو الإفتراس الخارجي (الحماية السياسية والعسكرية والإقتصادية) لحين تكامل مشروع الدولة.

مع تنامي انهيار البنى السياسية والمجتمعية في المنطقة وتعاظم دور الستراتيجيات الإقليمية.. تتعاظم أهمية انبثاق عراق وطني مدني موحد يشكل قوة ستراتيجية موازنة وموازية تضمن استقرار المنطقة والعالم، وهي مهمة عراقية أممية معاً لضمان الإستقرار والسلام في هذه البقعة الأخطر في العالم.