ليس من السّهل
التعاطف مع إيران، وعلى وجه الخصوص مع نظام الملالي، هذا النّظام الخارج من القرون الوسطى، والذي يجثم على صدر هذا الشعب العريق منذ عقود. ليس من السّهل عليّ التّضامن مع نظام الملالي هذا الّذي يلفّ السّواد الأعظم من الشّعب الإيراني بكلّ هذا السّواد للرّجال والنّساء.

ولكن، هنالك لحظات أشعر فيها بنوع من التعاطف مع هذا الشعب، وعلى وجه الخصوص عندما نقرأ كلّ هذا اللغط العربي العنصري تجاه هذا الشعب العريق. فلا شكّ أنّ القارئ العربي المتبصّر سيُصدم لقراءة كلّ تلك المفردات التي تُكال من طرف بعض الكتبة العرب، بدءًا بالصفويّين والفرس والعجم وانتهاءًا بالمجوس. إنّ كلّ هذه المفردات تنهل من منبع عربيّ قديم تعود جذوره إلى العلاقة التاريخية بين العرب والجار الفارسي ومن قديم الزمان.

فجأة يتناسى كلّ هؤلاء الكتبة
من صنف الذين في قلوبهم زيغ ذلك الحديث النبوي القائل أن rdquo;لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلاّ بالتقوىldquo;، ثمّ يهبّون ناضحين بما في دواخلهم من عنصرية متجذّرة مصاغة بكلام البلاغة العربية البليدة. يأتي كلّ كتّاب البلادة العربية ليقولوا للقارئ إنّ لإيران أطماعًا في بلاد العرب. وفي ذلك نقول: صحّ النّوم! وما الجديد في ذلك؟ أليس كلّ التاريخ البشري مبنيًّا على المصالح والأطماع؟ أليست العلاقات البشرية مبنيّة على المصالح والأطماع، أكانت هذه المصالح صغيرة كانت أو كبيرة؟ ثمّ، أليست العلاقات الزوجية أيضًا هي علاقات أطماع ومصالح بين فردين؟

كلّ هؤلاء الكتبة من صنف العنصريين المُقنّعين بقناع الـrdquo;عروبةldquo; يتناسون كلّ تلك المصالح والأطماع العربية في البلاد الإيرانية منذ بداية الإسلام. فماذا فعل العرب والمسلمون في بلاد فارس منذ البداية، أصلاً؟ ألم تكن كلّ تلك الحروب الأولى المسمّاة فتوحات قد جاءت للأطماع والمصالح؟ إذن، فما الغرابة في أن يكون لإيران هي الأخرى أطماع ومصالح في المنطقة العربية في هذا الأوان؟

يجب أن يتذكّر هذا الصنف من الكتبة
أنّ العلاقات بين الدول والشعوب هي علاقات مصالح وتوازن قوى، فما على العرب إلاّ أن يعرفوا هم مصالحهم وأن يحدّدوا هذه المصالح لأنفسهم هم أوّلاً. فإذا كانت المصلحة العربية تقضي بالوحدة العربية، فليتفضّل قادة العرب الرابخين على صدور شعوبهم، من صنف أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ، بتقديم استقالاتهم لجامعة الدول العربية وبإعلان الوحدة. فمن يمنعهم من القيام بخطوة بسيطة كهذه؟

بل وأكثر من ذلك، فطالما رفع الإسلاميّون شعار rdquo;الإسلام هوالحلّ في كلّ شاردة وواردة. طيّب، ها هم وصلوا إلى السلطة في مصر وتونس، ومن قبل يحكمون في السودان لسنوات طويلة. إذن، فليتفضّلوا ويرونا شطارتهم في rdquo;الحلّldquo;. لماذا لا يخرجون إلى الملأ بإعلان الوحدة بينهم؟ من يمنعهم من القيام بهذه الخطوة؟ فليتفضّلوا ويتوحّدوا!

لكن، على ما يبدو فإنّ وراء الأكمة ما وزاءها. ولذا، يجب أن نضع النقاط على الحروف. فالشعار الرنّان الطنّان الّذي يشنّف آذان العربان هو شيء، بينما الحقيقة التي تسيّرهم شيء آخر مختلف تمامًا.

فليتفكّر القارئ العربي
في ما يجري الآن في بلاد الشام. منذ عامين تقريبًا والنّظام البعثي القبلي، الّذي تقنّع سنوات طوال بشعارات الصمود والمقاومة والممانعة، يبطش ليل نهار بالحجر والشجر والبشر في الربوع الشامية. فماذا فعل العرب لوقف هذا النّزيف البشري؟ لا شيء. ينتظر العرب أن يتدخّل الأجانب لوقف هذا البطش. بل والأنكى من ذلك، على سبيل المثال، هو ما أشيع من تصريحات لساسة لبنانيين محسوبين على العرب بوجوب وقف استقبال واحتضان اللاجئين السوريين الهاربين من ماكينة البطش البعثية في لبنان، وتحويلهم إلى دول أخرى، كقبرص التركية.

عشرات آلاف الضحايا السوريين
ومئات آلاف الجرحى والمهجّرين لا يحرّكون ساكنًا لدى العرب. لم نشاهد مظاهرات تجتاح المدن العربية مطالبة بوقف ماكينة القتل البعثية. كيف يمكن توصيف هذه الحال العربية؟ متى تخرج مظاهرات في المدن العربية لوقف اعتداءات على العرب؟ فقط عندما يكون القاتل منتميًا إلى أمّة أخرى وإلى عقيدة أخرى. إنّ ما يحزّ في النّفس هو هذه الذهنية العربية التي ترى في قتل العرب على أيدي العرب في الأقطار العربية قضايا داخلية لا يجب التدخّل فيها من قِبَل عرب آخرين، من جهة. ومن جهة أخرى، يطالب هؤلاء العرب أن يتدخّل الأجانب لوقف سفك هذه الدماء العربية. إنّها حال مرضيّة عربية وآن الأوان لتشخيصها ابتغاء علاجها. يجب التعامل مع هذه الحال بعين بصيرة ومداواتها بتؤدة وبرويّة، وإن كانت اليد قصيرة.

والعقل ولي التوفيق!
*
موقع الكاتب: rdquo;من جهة أخرى
http://salmaghari.blogspot.com/ncr
***