تشترك معظم الأنظمة الدكتاتورية في سلوكيات وممارسات متشابهة حد التطابق في صناعة أحزاب الزينة والجمعيات والاتحادات التي يفترض انها تمثل شرائح معينة في المجتمع على غرار منظمات المجتمع المدني في اوربا، الا انها لا تمثل في ظل هذه الأنظمة سوى مجاميع من الدلالين والقومسيونجية وبقالي الأفكار والمبادئ الشغالين في اسواق الزعيم والحزب القائد.

وقد ادركنا جميعا مجموعة الأحزاب الملحقة بإكسسوارات دولة الحزب والقائد الأوحد، هنا في بلادنا وفي كثير من بلدان العالم التي ابتليت بالأنظمة الشمولية التي لا مثيل لها في الأرض والسماء، حيث يثقف وعاظ سلاطينها الأهالي المساكين على ضرورة وجود الحتمية التاريخية للقائد، الذي لا بديل له ولحزبه في أي مكان من الأرض، لأنه يمثل نعمة السماء ورحمتها على هؤلاء الغلابة من شعوب الشرق، كما وصف مؤسس حزب البعث رئيس النظام السابق صدام حسين!؟

ولكي لا تضيع أي فرصة أو محاولة لبناء شكل أو هيكل أو مرتسم ديمقراطي، فقد دأبت معظم هذه الأنظمة على تشكيل مجالس شعبية أو وطنية لتمثيل الأمة، واختارت لها خيرة رجالها المتفننين في لعبة ( الثلاث أوراق ) على عادة إخواننا المصريين في تشبيه الكلاوجية أو الفهلوية في الدارجة المصرية، وأطلقوا عليها ظلما وبهتانا بالبرلمان أو الجمعية الوطنية أو مجلس الشعب أو المجلس الوطني أو مجالس الشورى وما شابه ذلك من أسماء فقط لا أكثر ولا أقل، وليست في حقيقتها الا تجمعات غوغائية ببغائية تختفي ورائها مجاميع من العصابات التي تعتاش على المغفلين من أتباع تلك الدكتاتوريات وما يتبعها من مؤيدين ومرتزقة، وقد شهدنا امثلة على ذلك السيرك البائس في المجلس الوطني العراقي ابان حكم البعث ومثيله الان في دمشق وقرينه المنحل في مصر وتونس وعصابات ما كانت تسمى باللجان الثورية في ليبيا وغيرها الكثير ممن ينتظر دوره في الانهيار او الحل.

ولم تكتف تلك الانظمة في صناعة ذلك السيرك في عواصمها، بل نزلت الى المدن والبلدات وخاصة في بلادنا حينما ابتدعوا فكرة مجالس الشعب التي كانت تمثل مجاميع من اللصوص والرشوجية ومعقبي الدعاوي والدلالين ومعتمدي الامن والمخابرات في الاقضية والمحافظات، إضافة إلى الرفاق من مدراء الدوائر وممثلي الحزب القائد، والذين كان يفترض انهم يمثلون الاهالي، فاجروا لهم انتخابات محلية كانت اشبه بمهرجانات البيعة للقائد وكرنفالات نيسان الميلادية ( ميلاد القائد والحزب ).

سنوات مريرة مضت حتى بدل الله الحال بحال آخر، فسقط النظام ومجالسه الكارتونية وبدأ الناس ينتظرون تحقيق احلامهم واهدافهم في حكم العقلاء ووصول الأشراف والنزهاء، حيث يفترض ان يكون البديل أفضل تماما عما كان عليه الآخرون، لكننا جميعا نسينا أو تناسينا في خضم فرحة السقوط:

إن نصف قرن من أعمارنا كانت تحت ظلال الاستكانة والبداوة والرعب، وان مجتمعاتنا ما زالت تأن من تقاليدها البدوية والقبلية، وما زالت القرية وقوانينها تسكن معظمنا، وما زال الشيخ والأغا وما شاكلهم يحصدون أكثرية الأصوات شئنا ام أبينا!؟

ما زال إمام قريتنا يمتلك حق الإفتاء فيبيح تكفير فلان وعلان ليمهد قتله اجتماعيا أو بدنيا، وما زال هو ذاته أو أمثاله يوجهون القطيع كيفما تشاء بوصلة من يمدهم بالإعاشة والمعاش!؟

ما زالت الأغلبية من مجتمعاتنا لا تجيد القراءة والكتابة، وان اجادتها لا تجيد الاختيار الحر واتخاذ القرار؟

ما زال الكثر الكثير من الغلابة والفقراء ممن لم تتحرر لقمة عيشهم ليتحرر صوتهم، فكيف سينتخبون من نريد أو من لا نريد؟

وما زال وما دام والكثير الكثير نشهده الآن في مشاهد اقل ما يقال عنها هو الإحباط، حينما أنتجت كل هذه الــ ( ما زال ) من عناصر تبوأت مواقع عبر تلك الثقافة والتقاليد في مجالس الاقضية والمحافظات صعودا للطامة الكبرى في مجلس النواب، حيث قاطرة ( ما زال ) حملت هذه الأنواع من أنصاف الأميين ومزوري الشهادات والسراق والمرتشين ومعتمدي الأمن والمخابرات وفراشي مسؤولي النظام السابق وملحقاتهم ممن قذفتهم بواطن الفساد والإفساد إلى واجهة الحياة في النظام الجديد؟

ويبقى السؤال الأكثر إيلاما بعد سنوات من حكمهم وما جرى للدولة عموما، وللمدن والمحافظات بشكل خاص، كيف سمح لهؤلاء ومن له مصلحة في ترشيحهم ودعمهم ووصولهم إلى أول مؤسسة برلمانية ممثلة للأهالي ومنتخبة بشكل حر ومباشر سواء في مجالس الاقضية أو المحافظات أو البرلمان!؟

وهل ستحمل الانتخابات القادمة في الاقضية والمحافظات وعموم البلاد مجاميع أخرى من أشباه هؤلاء، أم ان الشعب أدرك خلال السنوات الماضية انه استغفل وتم سرقة صوته باليات لا تفرق كثيرا عن شبيهاتها أيام الحكم الشمولي المقيت؟

[email protected]