بماذا نفسر التسريبات الإعلامية بوقوع مشاجرة بين المندوب الروسي في الأمم المتحدة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، ثم نفي روسيا القاطع اليوم لما حدث؟.. أين كانت روسيا طيلة الأيام الماضية من هذه العبارات الجارحة quot; غير الدبلوماسية quot; والتي لا تليق بدولة كبري؟.. أين كان الإعلام الروسي من كل هذه الترهات وهو الذي يتابع quot; دبة النملة quot; في المنطقة العربية؟.. ثم، أين قطر (الدولة) وترسانتها الإعلامية خاصة quot; قناة الجزيرة quot; من هذه الإهانات؟.. لماذا صمتت قطر (صمت القبور) وكأن الأمر لا يعنيها، ثم لماذا (نفت) روسيا الرواية بالكامل، وصححت الصورة فيما يشبه الاعتذار الضمني؟.. ما الذي دار في الكواليس الدبلوماسية بين quot; قطر quot; وquot; روسيا quot; علي مدار اليومين الماضيين، وما دلالة ذلك بالنسبة للموقف من سوريا والفيتو (الروسي ndash; الصيني)؟
بداية.. سواء كان التوتر (أو التوافق) في العلاقات الدبلوماسية القطرية ndash; الروسية مصنوعا أم طبيعيا، فإن quot; قطر quot; منذ مجئ الرئيس (أوباما) إلي البيت الأبيض يناير 2009 أصبحت : أهم لاعب عربي ndash; إسلامي (أمريكي) في الشرق الأوسط الجديد. تجيد لعب الأدوار المركبة والمتعددة إقليميا وعالميا فضلا عن المراوغة وتسجيل الأهداف في مرمي الخصوم وتحطيم المنافسين الآخرين لها في المنطقة، ونجحت بجدارة في أن تكون (مانعة صواعق) و(صاعقة موانع) بين القوي العظمي (الولايات المتحدة وروسيا والصين) التي توشك علي الدخول في (حرب باردة جديدة).
الحوار الجارح الذي نفته وكالة الأنباء الروسية quot;إنترفاكسquot; اليوم - نقلا عن مصدر في دائرة الإعلام والصحافة بوزارة الخارجية الروسية - كانت بعض وسائل الاعلام قد تناقلته ليلة 4- 5 فبراير الجاري أثناء أجتماع مجلس الأمن، حين قال quot; حمد بن جاسم quot;، لمندوب روسيا الدائم quot; فيتالي تشوركين quot; :quot; أحذرك من اتخاذ أي (فيتو) بخصوص الأزمة في سوريا، فعلى روسيا أن توافق على القرار، وإلا فإنها ستخسر كل الدول العربية quot;. فرد quot; تشوركين quot; بكل هدوء أعصاب : quot; إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء أسمه قطر بعد اليوم quot;.
لا تستطيع أن تقرأ هذا التحول المفاجئ أو النفي القاطع، خارج أمرين : الأول هو الانتقادات العالمية اللآذعة التي قوبل بها quot; الفيتو quot; الروسي ndash; الصيني، والتي أجبرت روسيا والصين علي تخفيف أو (تلوين) موقفها المخزي بأن : quot; الفيتو قدم إمكانية لحل الأزمة السورية دبلوماسيا quot;.
الأمر الثاني، وهو الأهم إقليميا وعالميا، توصل روسيا والولايات المتحدة إلي صيغة مقبولة وquot; صفقة متوازنة quot; (عبر الوسيط القطري)، هدأت من مخاوف روسيا من تداعيات الضربة العسكرية لسوريا. وحسب quot; ليونيد ايفاشوف quot; رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية الروسية فإن هذه الضربة لن تكون (غربية) بالكامل، لان quot; الناتو quot; سيوفر غطاء جويا لها من (تركيا)، (نذر هذه الضربة) بدأت بسحب بلدان دول مجلس التعاون الخليجي وتونس سفرائها من سوريا، بعد أن أعلنت أسبانيا وايطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا عن سحب سفرائها بالمثل.
قطر هي صاحبة السبق في الحل العسكري (عربيا) للأزمة السورية، وهي التي وظفت البراجماتية الروسية التي هي علي استعداد للتضحية بسوريا وإيران معا، شريطة ألا يؤثر ضربهما علي أمنها الإقليمي، وحسب ما صرح به quot; لافروف quot; عقب لقائه بنظيرته الأمريكية quot; هيلاري كلينتون quot; علي هامش مؤتمر الأمن الدولي بميونخ (3-4 فبراير) : quot; روسيا ليست قلقة علي الرئيس بشار الأسد بقدر ما يقلقها quot; الأمن القومي الروسي quot;.
مخاوف روسيا الذي بددها (الوسيط القطري) هي : إمكانية التوصل إلي اتفاق مع حلف الناتو حول (منظومة الدرع الصاروخية) في أوروبا، وأن هذه الدرع الصاروخية ليست موجهة ضد روسيا، ولن يقوم الحلف بتدمير الصواريخ البالستية الموجودة في أوروبا لدى روسيا، ويصل مدى عملها الى ألف كيلومتر، وأن الولايات المتحدة على استعداد لطمأنة موسكو بإعطاء (ضمانات خطية) تؤكد أن هذه المنظومة لا تمثل خطرا على روسيا.
قطر استضافت علي أراضيها قبل أيام: المحادثات السرية بين الولايات المتحدة وطالبان، لتنفيذ استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما للخروج التدريجي من أفغانستان التي مزقتها الحرب (عام 2014). هذه الصفقة بين طالبان والولايات المتحدة وشركائها في حلف الناتو والتي تحفظ ماء الوجه للجميع، تتقاسم أدوارها القيادية مع (قطر) كل من ألمانيا والمملكة المتحدة.
[email protected]