عام على الأزمة السورية، لا الأزمة أنتهت كما قال مسؤولون سوريون مرارا وتكرارا، ولا النظام سقط كما رغبت وحلمت وعملت من أجله المعارضة السورية والدول التي دعمتها.
بعد عام من الأزمة،السؤال الذي يطرحه الجميع، هو إلى أين تسير الأمور؟ هل سيسقط النظام أم سينتصر؟ وإذا سقط فمتى وكيف؟ وإذا انتصر فكيف وفي أي شروط؟ الكل يجتهد ولكن لا أحد لديه إجابة شافية، وهو ما دفع بالعديد من المعنيين والمحلليين إلى وصف الأزمة بأنها أزمة بلا آفق أو أزمة مسدودة أو بلا طريق. والسؤال لماذا اختلفت الأزمة السورية في مسارها أو مساراتها عن ما جرى في تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن؟
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التوقف عند ما أفرزته هذه الأزمة من معطيات و وقائع وما جرى من اصطفافات إقليمية ودولية أصبحت محددات للأزمة ومصيرها. ولعل من أهم هذه المعطيات:

1 - ان الأزمة كشفت بشكل جلي طبيعة النظام وتركيبته الأمنية المتماسكة،ومهندس هذه التركيبة بإمتياز هو الرئيس الراحل حافظ الاسد وفق هندسة خاصة بوصلتها حماية النظام ولاسيما في الأزمات.

2- ان الموقع الجيوسياسي لسورية جعل من الأزمة السورية أزمة مركبة تتجاوز المطالب المشروعة للشعب السوري إلى مركز صراع إقليمي ودولي على المصالح والنفوذ والدور.

3- ان وجود إسرائيل على حدود سورية الحليفة لحزب الله وإيران والعديد من الفصائل الفلسطينية،جعل للأزمة حسابات مختلفة لدى الغرب، وأقصد هنا استبعاد ساركوزي وأوباما وكاميرون... استخدام اللجوء إلى الخيار العسكري على غرار ما جرى مع ليبيا القذافي وذلك خوفا من تداعيات تدخل منطقة الشرق الأوسط والخليج إلى المجهول.

الآن وبعد عام على الأزمة وبفعل المعطيات السابقة،كيف يمكن النظر إلى الوضع وأطراف الأزمة؟

1 - في الداخل : النظام يواصل نهجه الأمني ويمتلك من القوة ما يؤهله إلى تكرار ما جرى في بابا عمرو في جبل الزاوية بأدلب وغيرها من المناطق السورية، وعلى الرغم من تزايد وتيرة عمليات الجيش السوري الحر الا أنه ينبغي التفكير بأن قدرات الجماعات المسلحة تبقى محدودة امام جيش نظامي وأجهزة أمنية تسخر لهما كل امكانيات البلاد. وحقيقة، فان مقتل النظام السوري ليس الأمن بل الإقتصاد خاصة بعد إنهيار الليرة السورية أمام الدولار والارتفاع الجنوني للأسعار، وهو ما ينذر بتداعيات اجتماعية خطيرة لا تصب في مصلحة النظام بل تؤسس لاحتجاجات اجتماعية واسعة وعنيفة في دمشق وحلب إذا استمرت الأمور على هذا المنوال.

2- على المستوى الإقليمي : ثمة محوران إقليميان يتصارعان بإبعاد سياسية وطائفية،الأول يمثله محور طهران - الضاحية الجنوبية في بيروت مرروا بدمشق وبغداد المالكي، والثاني : خط أنقرة - دول الخليج العربي وصولا إلى الجامعة العربية. والأزمة السورية أدخلت الطرفين في اشتباك سياسي وأمني واقتصادي،حيث يشكل البعد الطائفي محركا إضافيا لصراع هذه الأطراف.

3- على المستوى الدولي أعادت الأزمة السورية أجواء الحرب الباردة إلى العلاقات الدولية، فروسيا دخلت بقوة على خط الأزمة إلى درجة أنها باتت تحارب الغرب من قلب دمشق، وصراعها هنا مع الغرب وتحديدا أمريكا على من يسيطر على منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الأمر بالنسبة للصين التي تجتهد دبلوماسيتها بشكل غير مسبوق هذه الأيام. فروسيا والصين وإيران.. تعمل من أجل عدم وقوع هذه المنطقة الحساسة تحت السيطرة الأمريكية لأنها تعرف في النهاية إذا حصل ذلك فأنها لن تخسر نفوذها في هذه المنطقة الإستراتيجية فحسب بل سيصل النار إلى بيتها الداخلي.
في الواقع، أدى تداخل العوامل الداخلية بالإقليمية والدولية إلى وضع الأزمة السورية على طريق مسدود، فتدويل الأزمة على هذا النحو عقد الأمور، وأخرج القضية عن كونها قضية مطالب حقوق شعب يطالب بالحرية والتغيير إلى صراع إقليمي ودولي على سورية.
بعد عام من الأزمة تبدو سوريا أمام سيناريوهين. الأول : الحرب الأهلية كمصير ينتظر الشعب السوري مع احتمال تحول البلاد مع الزمن إلى ( الصوملة ). الثاني : التسوية بين النظام والمعارضة بتوافق إقليمي ودولي مقبول يحفظ مصالح الأطراف المعنية.
وفي الحالتين فان سورية لن تعود إلى ما قبل الأزمة، فالتغيير آت لا محال.