يكاد يجمع العارفون بنظام الأسد على قدرته على المناورة، والاحتفاظ بمسافة بينه وبين العزلة الدولية التامة، فهو يهدِّىء، كلما تصاعد الغضب الدولي والإقليمي والعربي، وهو في هذه الاستراتيجية لا يختلف، جوهريا، عن إيران، في إدارة خلافها مع laquo;المجتمع الدوليraquo; بشأن برنامجها النووي. مع فارق أن الخطر في حالة الأسد وجودي، ومصيري.

وبعد أن أظهر النظام التزاما نسبيا بخطة عنان، منذ صباح الخميس، 12 من الشهر الجاري، وتضافرت الأنباء عن انخفاض ملحوظ في حدة العنف، تتجه التحليلات إلى اتجاهين على الأقل، الأول يصرُّ على التشكيك بهذا الالتزام؛ قياسا على سلوك النظام السابق، ومراوغاته المعهودة، تُجاه مبادرة الجامعة العربية، ومنها ما يرى في هذا القبول خصوصية ما، إذ إنه جاء رضوخا لإجماع دولي يقف وراء خطة عنان، وأهم الدول الداعمة، روسيا والصين، وحتى إيران تقف مع هذا الإجماع.

ولوحظ أن النظام في سوريا تراجع عن اشتراطه ضمانات مكتوبة، من المعارضة، والجيش الحر، بعد أن لم يلحظ أي تجاوب دولي معه. ولولا أنه لم يجد مساندة روسية صينية لمضى، كعادته في المماطلة، وفي التسويف والاشتراطات؛ لكسب الوقت، وتمييع المواقف.

فالأنظار، كما تتجه إلى روسيا، فإنها تتجه، من قبل، إلى الولايات المتحدة نفسها، هل حزبت أمرها، لــــlaquo; الحلraquo; في سورية، أم أنها لا تزال تدير الأزمة، وتعمل على عدم خروجها من نطاق سورية؟ حتى على الأقل تمر الانتخابات الأمريكية، ويضمن أوباما أن لا تؤثر مضاعفات الأزمة السورية على فرص فوزه لولاية ثانية.

قد تكون واشنطن زادت (جرعة الجدية)، بعد أن زادت حوادثُ الحدود، مع تركيا ولبنان، وبعد أن لمَّح أردوغان، إلى طلب تفعيل المادة الخامسة، من معاهدة حلف شمال الأطلسي، وأكد (الناتو) أنه quot;يأخذ على محمل الجدquot; مسألة حماية الدول الأعضاء فيه.

ومن المفترض أن لا تترك الولاياتُ المتحدة النظامَ المستميت للبقاء في سورية بجرِّ بلاده والمنطقة إلى حافة الفوضى، وتقوية حوافز laquo;التشددraquo; داخل الجماعات المقاتلة في سورية.

لقد كان في وقوف روسيا والصين وراء خطة عنان علامة فارقة في الأزمة السورية، وجاءت العلامة الأكثر أهمية في إقناع نظام الأسد، أو الضغط عليه، لتهدئة أعماله الحربية في مدن الشام وريفه، فإذا استمر هذا الموقف الروسي، ومن ورائه الصيني، فإن موقفا دوليا قد تشكل على ضرورة خضوع النظام لمطالب التغيير، وقد تكون الدور الروسي ضروريا لاستكمال الحل ، ولإنضاج (الإخراج المناسب) لهذا المطلب السوري والعربي والإقليمي والدولي.

ولا ننسى أن وزير الخارجية الروسي قد كرر مرارا، في الفترة الأخيرة مسئولية الأسد عن أخطاء، وعن مسئوليته، في تأخير الإصلاح. فضلا عن الموقف الأمريكي الذي كان خيَّر الأسد، منذ بدايات الأزمة، بين أن يقود الإصلاح، أو يتنحى.

وتبقى الأوضاع الداخلية، في سورية، وقدرة الجيش الحر، وحَمَلة السلاح، ضد نظام الأسد، في الانضباط، وكذلك، قدرة النظام، في اختلاق الأسباب والذرائع التي تحول دون إحكام الخناق على عنقه، تبقى هذه المتغيرات أمورا حاسمة، فالنظام يعلم أن خطة عنان تفضي إلى سحب الجيش، من مناطق التوتر، وإطلاق سراح المعتقلين، والأهم السماح بالتظاهر، وهو الذي لا يتوقف، ولا يتراجع، في ظل القتل المستطير؛ فكيف سيكون التظاهر، إذا خف القمع؟!

والواضح أن رأيا دوليا نضج، أو أنه في طريقه للنضوج الكامل حول الأزمة في سورية، وتصرفات النظام الانفعالية تدفع نحو هذا العمل الدولي الموحد.
[email protected].