ليس لدى الحكومة اللبنانية التي شكلّها quot;حزب اللهquot; برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ما تقدّمه للبنانيين باستثناء تغطية الانقلاب الذي يجري تنفيذه على مراحل في الوطن الصغير. لو كان لدى حكومة quot;حزب اللهquot; اي مشروع سياسي او انمائي من اي نوع كان، باستثناء ربط لبنان بالمحور الايراني- السوري، لكان المدافعون عن الحكومة وجدوا ما يقولونه في جلسات المناقشة التي عقدها مجلس النوّاب اخيرا.
لم يجد هؤلاء المدافعون عن الحكومة التي لم يكن من هدف من وراء تشكيلها سوى اذلال المسيحيين واهل السنّة في لبنان، سوى مهاجمة الحكومات السابقة، خصوصا تلك التي شكّلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري ابتداء من العام 1992 وحتى السنة 2004، حين قدم استقالة آخر حكومتها quot;مستودعا اللهquot; مصير لبنان واللبنانيين.
يتبيّن نتيجة المناقشات والحملات التي استهدفت رفيق الحريري ان المشروع الوحيد الذي يمتلكه القيمون على هذه الحكومة والاوصياء عليها هو مشروع تدمير ما انجز في لبنان في ظرف سنوات قليلة، بدءا باعادة الحياة الى بيروت مرورا باعادة بناء قسم لا باس به من البنية التحتية للبلد وصولا الى اعادة وضع لبنان على خريطة المنطقة والعالم. يتبيّن ان لا شيء يقتات منه اولئك المتمسكون بالحكومة سوى فتات حكومات رفيق الحريري.
استطاع رفيق الحريري الذي عمل في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انها خانقة انجاز جزء من مشروع الانماء والاعمار الذي نادى به. يكفي انه اعاد الى لبنان قلبه الذي هو وسط بيروت. انه المكان الذي يلتقي فيه جميع اللبنانيين من كل المناطق والطوائف والمذاهب والطبقات الاجتماعية. وسط بيروت هو المكان الذي يجسّد العيش المشترك بين اللبنانيين. لذلك كانت هناك دائما حرب عليه. لذلك، شهد معارك بين الميليشيات المتخاصمة في اثناء الحرب الاهلية وحروب الآخرين على ارض لبنان. تلك الحرب التي وضع اتفاق الطائف الموقع في العام 1989 اسسا ادت الى وقفها. ولذلك ايضا عمل النظام السوري باستمرار من دون كلل على بقاء وسط بيروت خط تماس بين اللبنانيين. بلغت الوقاحة بالنظام السوري ان ارسل في مرحلة معيّنة الوية موالية له من quot;جيش التحرير الفلسطينيquot; لترابط في وسط بيروت وتمنع التواصل بين اللبنانيين عبر اقامة خطوط تماس بين المسلم والمسيحي!
عمل رفيق الحريري في ظروف معقدة من اجل التغلب على الرغبة السورية ثم الايرانية- السورية في ابقاء لبنان quot;ساحةquot; يسودها البؤس. فالبؤس هو الوسيلة الوحيدة التي يلجأ اليها اعداء لبنان من اجل اخضاعه وابقائه تحت الوصاية. ومن بين الوسائل التي استخدمت لتكريس البؤس ونشره منع حكومات الحريري من اعادة التيار الكهربائي الى البلد فضلا عن منع نشر الجيش في الجنوب. هل صدفة ان الوزراء المسؤولين عن الطاقة في حكومات الحريري كانوا في معظمهم من المرتبطين مباشرة بالنظام السوري واجهزته.
كان الهمّ الوحيد لهؤلاء الوزراء الذين فرضتهم دمشق فرضا كان انجاز صفقات وجني عمولات... وتعطيل الكهرباء. يبدو ان هذا النهج لا يزال معتمدا الى اليوم، حتى بعد التخلص من رفيق الحريري الذي استطاع بجهد شخصي اعادة الكهرباء على مدار الساعة فترة قصيرة في السنة 1995. جاءت اسرائيل في حرب العام 1996 التي اسمتها quot;عناقيد الغضبquot; لتعطل الكهرباء بقصفها محطات التوليد في مناطق معيّنة، بما في ذلك محطة الجمهور. لا تزال الكهرباء مققننة منذ 1996، خصوصا في مرحلة ما بعد اشتداد الحملة السورية عليه والتي بلغت ذروتها باغتياله في شباط- فبراير 2005 وقبل ذلك بالاتيان في 1998 باميل لحود رئيسا للجمهورية ثم التمديد له!
عندما تكون هناك حكومة لبنانية لا مشروع لها، لا يعود امام مثل هذه الحكومة، التي هي لبنانية بالاسم فقط، سوى البحث عن مشروع يقوم على مهاجمة مشروع الاعمار والانماء. لا يزال هذا المشروع هو الوحيد الذي يمكن الاستناد اليه في حال كان مطلوبا اعادة لمّ شمل اللبنانيين ومنع الهجرة وايجاد فرص عمل للشباب اللبناني. من هذا المنطلق، لا مفرّ من التهشيم بالمشروع لتاكيد انه لم يتغيّر شيء في لبنان على الرغم من مضي ست سنوات على انسحاب القوات السورية منه نتيجة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.
هناك حلف ايراني- سوري يسعى الى تاكيد ان الفراغ الذي خلفه الانسحاب السوري امكن ملؤه عن طريق الميليشيا الايرانية المسماة quot;حزب اللهquot;. اكثر من ذلك، مطلوب اكثر من اي وقت تأكيد ان عملية تدمير لبنان بشكل منهجي مستمّرة وان الاداة التي اسمها النائب المسيحي ميشال عون مستعدة في كلّ لحظة لتأدية المطلوب منها. الم ينفّذ عون المطلوب منه في العام 1990 فامّن دخول السوري الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية. الم يذهب الى المساعدة في تغطية احتلال وسط بيروت وتطويق السراي الحكومية في السنة 2007؟ الم يتكفّل في العام 1988 و1989 و1990 نتيجة حروبه العبثية وفي فترة ما بعد حرب صيف العام 2006 في تهجير اكبر عدد ممكن من اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم؟
هناك حرب مستمرّة على لبنان. كان اغتيال رفيق الحريري ورفاقه والجرائم التي تلت الاغتيال جزءا من تلك الحرب. ممنوع على لبنان اعادة بناء نفسه. مطلوب بقاء الحكومة الحالية وصياغة قانون جديد للانتخابات يضمن السيطرة الايرانية- السورية على مجلس النوّاب. مطلوب من الحكومة ان تبقى ولو بالقوة... ولو مورست مزيد من الضغوط على ابناء الطائفة الدرزية في مناطقهم بما يضمن عدم خروج وليد جنبلاط منها.
ما ينساه المقتاتون من فتات مشروع رفيق الحريري، اي مشروع الاعمار والانماء، ان المنطقة كلّها تتغيّر. انهم يقرأون من كتاب قديم كان معمولا به قبل ثورة الشعب السوري. ربما كان استيعابهم لمدى اهمية هذه الثورة وراء تمسّكهم بحكومة في بحث دائم عن انتصارات وهمية من نوع نيل الثقة في مجلس للنوّاب معروف كيف تشكّلت الاكثرية الجديدة فيه. تشكّلت تلك الاكثرية عن طريق تدجين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وآخرين مثل الرئيس ميقاتي والسيد محمد الصفدي بقوة السلاح الميليشيوي والمذهبي لا اكثر ولا اقلّ...