يعود عمرو موسي اليوم الي صدارة المشهد السياسي المصري مرة أخري ، قادماً من زمن بائد ومنتهي، كان فيه ملء السمع والبصر ،لكنه يعود هذه المرة الي غير زمانه ،والي غير عصره ، فمصر التي تغيرت لا تتوق الي هذا الصنف من السياسيين الذين لعبوا ادواراً، سواء عظم شأنها أم قل في ظل النظام السابق .
قد يبدو من المستغرب للبعض ـ ان الرجل يريد العودة ، بل ويرغب في قيادة ذلك البلد الذي تأجج بثورة ربانية عارمة، أنهت أحط عصور الفساد والطغيان ،وقضت علي أسوأ أنظمة الحكم في مصر ،حيث عمل عمرو موسي وخدم رأس النظام السابق عشرة سنوات كاملة كوزير للخارجية، دون ان نسمع مرة واحدة أنه تملل أو تذمر من ذلك الحاكم الطاغية .
لا نختلف مع عمرو موسي الشخص والإنسان ، لكن نختلف معه في خطه وطموحه السياسي ـ خاصة وأن مصر تحتاج اليوم الي رئيس مجرد عن الأطماع الشخصية والكليبات الإعلامية ، فمصر تحتاج الي من ينتقل بها من الهوة السحيقة الي القمة الشاهقة.


في أزهي عصور تألق الرجل لم نسمع أنه عارض فساد النظام السابق أو احتج علي تراجع مصر علي كافة الأصعدة ، ومنها ما كان مسؤول عنه وهو السياسة الخارجية للبلاد.
الأهم من كل ذلك أنه لم يكن له أي دور مؤثر في ثورة 25 يناير التي ثارت علي الظلم والفساد ، بل ظل الرجل غارقاً في دبلوماسيته المعروف بها ، يلعب علي كل الأصعدة ومع كل الأطراف ، فأنت تجده مع الثورة وضدها في أن واحد، مع حسني مبارك وضده.. وهنا تكمن خطورة الشخص الذي ينتظر اللحظة المناسبة للإنقضاض علي اي من الجهتين ، منتزعأ لنفسه دورا هنا أو هناك ـ ألا يفسر تصريحه لشبكة CNN في 9 فبراير وقت ذروة اشتعال الثورة هذا الإسلوب الذي ينتهجه في المصلحة الشخصية عندما يقول : quot;أنه يري ضرورة بقاء الرئيس السابق حتي تنتهي فترة ولايتهquot; ـ أما عن جهوده التي يقوم بها اثناء الثورة فيقول:quot; انها تتركز علي معالجة الموقف الراهنquot; ! كلام عام لايفهم منه موقف ثوري واضح في التعبير عن الرغبة في ازاحة الكابوس الذي كان يجثم علي انفاس المصريين .
إذن من حق الناس ان تتساءل عن الدور الذي قام به عمرو موسي حتي يرشح نفسه لهذا المنصب الرفيع ؟ ولماذا انتظر حتي هدأت عاصفة الثورة لينصب نفسه ثورياً ، أخرجته الثورة من صمته ليفرض نفسه عليها ، رغم أنه لا يستطيع ان يقول بأنه احد محركي وباعثي هذه الثورة المجيدة !!
كان في يد الرجل يوماً ما علي الأقل السلطة التي تخول له القيام بثورة في محيط عمله ، في الخارجية المصرية من أجل إعادة الهيبة للسلك الدبلوماسي المصري الذي شابه الكثير من الإتهامات بالفساد والمحسوبية التي انتشرت فيه ،كبديل للمهنية والكفاءة ، لماذا لم يؤسس في عهده لهذا النوع من الدبلوماسيين المهرة الأكفاء حتي يحافظوا علي كرامة المصري المغترب علي امتداد الخريطة الكونية، والذي تنتهك حقوقه وكرامته دون أدني إهتمام من السفارات المصرية!!، حتي أنك لو سألت أي مصري مغترب عن مشكلته في الخارج لأخبرك أن أحد أهم مشاكله الرئيسية هي أن السفارات المصرية ومن خلفها الخارجية لا يهتمون به ، ناهيك عن سوء المعاملة من قبل السفارات والقنصليات ، ولعل مشكلة السجين المصري الحالي في السعودية أحمد الجيزاوي هي أكبر دليل علي ضعف ووهن الدبلوماسية المصرية أمام قضايا المصريين.


تصريحات عمرو موسي لوسائل الإعلام تبدو دائماً غامضة.. تحتمل أي تفسير، ولا يفهم أحد من مضمونها شيئاً معيناً ، وفي المرة الوحيدة الذي تبني فيها بيان الجامعة في أزمة الحرب العراقية وذكرquot; إن هناك دول عربية تريد دخول الحرب ضد العراقquot; شن عليه نائب رئيس الوزراء الكويتي ووزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد هجوماً حاداً وقال quot;إن الأمين العام للجامعة مجرد موظف لا أكثر ولا أقل، وسيتعرض للمحاسبة بعد انتهاء الحربquot;. وكتب بعض الكتاب الكويتيين في هذا الصدد قائلين : quot;إن الكويت ودول الخليج هي التي تدفع راتبه والسيجار الفاخر الذي يدخنه ،إثر تلك الإهانة طالبه الكثير من المصريين بالإستقالة احتجاجا علي ذلك الهجوم.. لكنه ابي واستمر في عمله !!
انقسم السودان في عهده، ودخل الناتو ليبيا ،وقبلها إحتلت أمريكا العراق ،وتدهورت الأمة العربية، وزادت حدة الإنقسامات والتدخلات الخارجية . أما في حرب اسرائيل علي لبنان عام 2006 لم يفعل شيئا، وكان له موقف من حزب الله ، ولم تفهم تبريرات موقفه الذي قبل فيه تخصيص سعد الحريري طائرة له في الأزمة التي اشتعلت بعد استشهاد رفيق الحريري عام 2005، وهو الأمر الذي فُهم منه انه يحابي الجانب الأمريكي علي حساب المقاومة اللبنانية.
لم تفعل الجامعة العربية في عهده اي شئ تجاه العدوان علي غزة عام 2008 حيث ابادت اسرئيل أهالي القطاع في مذبحة بشعة أدت الي استشهاد 1300 شخص وحوالي الستة الاف جريح .
إذن كيف يتجاهل الرجل كل ذلك ويقوم بترشيح نفسه لرئاسة مصر بعد الثورة، مكتفياً بأغنية شعبان عبد الرحيم باحب عمر موسي واكره اسرائيل !