طوال فترة الحملة الإنتخابية بالجزائر وحتي قبل يومين من بدأ التصويت الجماهيري عبر صناديقها.. لم تسع قيادات التيار السياسي الإسلامي المشكلة من ستة أحزاب أو المستقلة بنفسها، لمطالبة الشعب الجزائري إاستنساج النموذج التونسي أو المصري لإحداث التغيير السياسي المنشود.. ورفعت عالياً شعار quot; الصندوق هو الحَكم quot; لثقتها في إمتلاكها عوامل الفوز بالأغلبية التى قالت خطاباتها السياسية انها خططت لها سواء علي مستوي التغير الذي فرضته علي لغة وتوجهات تعاملها مع الجماهير.. أو ضمن أساليب المعارضة التى لجأت إليها علي امتداد السنوات الأخيرة لإحراج الحكومة والنظام الرئاسي من جهة و لتأكيد قدرتها علي الإصلاح في جانبيه السياسي والإقتصاي من ناحية أخري..
الإنتخابات النيابية الأخيرة ( مايو ndash; 2012 ) هي الخامسة منذ بدء مسيرة الإصلاحات السياسية التى أقرها النظام الحاكم عام 1989..
إجمالي عدد مقاعد المجلس النيابي الجزائري 462 مقعد..
حصل حزب جبهة التحرير بقيادة عبد العزيز بلخادم علي 220 مقعد بنسبة 6ر47 %.. وحصل حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي يتزعمه أحمد أويحي ( رئيس الوزراء الحالي ) علي 68 مقعد بنسبة 7ر14 %..
أما كتلة الجزائر الخضراء الذي يتكون من تحالف ثلاثة احزاب إسلامية كبيرة ففاز بـ 48 مقعد فقط بنسبة 3ر10 % !!.. هذا بينما حصلت جبهة القوي الإشتراكية علي 21 مقعد، وحزب العمال اليساري علي 20 مقعد.. يليهما القوائم الحرة حيث حصلت علي 19 مقعد..
وتوزعت بقية المقاعد وعددها 110 مقعد بين القوي والاحزاب السياسية الأخري بنسب متفاوته..
الملاحظة الجديرة بالتنويه هنا، أننا عندما نقارن هذه النتائج، بنتائج نظيرتها لعام 2007، سنجد أن ترتيب القوي التى إحتلت مقدمة المقاعد لم يشبه تغير حاد.. الأمر الذي يجعلنا نقول أن النسبة الأكبر من الناخبين لا زالت راضية بشكل أو بآخر عن أداء التركيبة السياسية التى تقود البلاد منذ سنوات، أما أحزب المعارضة وخصوصاً الإسلامية فسارعت إلي رفع راية التزوير والتلاعب !! التي يبدو أنها كانت متوقعة.. لذلك أعلن وزير الداخلية بعد أن إنتهي من إعلان النتائج، أن لجنة الإنتخابات مستعدة لتلقي الطعون quot; كما أن المحاكم والمجلس الدستوري جاهزون للنظر فوراً فيها quot;..
الجانب الإضافي المضئ في الإنتخابات الجزائرية هذا العام هو فوز المرأة بـ 148 مقعد علي مستوي الأحزاب والقوائم التى شاركت فيها.. وبذلك أصبحن يمثلن 32 % من حجم العضوية.. وهذا التطور راجع لأمرين يجب أن يؤخذا في الإعتبار..


الأول.. التغيير الدستوري الذي أجراه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2008 تحت مسمي quot; تطوير الحقوق السياسية للمرأة، والذي صدر به قانون quot; توسيع المشاركة السياسية للمرأة quot; عام 2011..
الثاني.. النشاط والحيوية التى بذلتها الناشطات في مجالي الإصلاح السياسي والخدمي من ناحية والمساهمة بشكل ملحوظ في مواصلة الضغط علي المؤسسات الحكومية والأمنية - علي وجه الخصوص ndash; لتوسيع دائرة فهمها لمبادئ حقوق الإنسان وتطبيقاتها..
أصدرت قيادات التيار الإسلامي السياسي بيانات نددت بالنتائج المعلنة، وهذا من حقها..
وشككت تلك البيانات أن هناك quot; تلاعب كبير في النتائج الحقيقية quot; علي مستوي الولايات، وربما تكون محقة.. لكن علي الجانب الآخر، تتوقع الكثير من الجهات الداخلية والخارجية التى يهمها إرساء قواعد الإصلاح السياسي في الجزائر وأن تستكمل تجربة التمكين الشعبي التي بدأها مجتمعها بكل اطيافه منذ سنوات.. ان توثق الأحزاب الإسلامية شكاياتها وان تبادر بتقديم طعونها لكي تنظر فيها الجهات المختصة..
في رأينا..
يرجع هذا التشكيك وما صحبه من بيانات رافضة إلي تعارض النتائج المعلنة، مع ما كانت تتوقعه قادة تلك الاحزاب من تجليات كانت تمثل الحلم بالنسبة لهم.. فمثلا.. أكد رئيس حركة مجتمع السلم أن الإنتخابات التشريعية quot; ستنبت زهور الربيع الجزائري quot;.. وقال زعيم حزب الجزائر الجديدة ان quot; التوجه الإسلامي للشعب سيفتح الأبواب أمام النهضة والإصلاح quot;..
هذا الخطاب المتفائل، تغيرت ملامحه كلية بعد إعلان النتائج..
قال قادة quot; تكتل الجزائر الخضراء quot; الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية كبيرة، أن التلاعب في النتائج من شأنه أن..
1 - يضر بتجربة الإصلاحات التي تتواصل برغم محدوديتها..
2 - ويفقد الشعب الجزائري الثقة والأمل في مواصلة المسيرة التي يتطلع إليها..
3 ndash; ويعرض البلد إلي مخاطر quot; لا نتحمل ndash; أي الإسلاميون - مسئوليتها quot;..
أنا علي يقين أن الخلاف حيال ما جاء في النقطتين الأولي والثانية بين أي طرفين علي مستوي الحكومة والمعارضة أو حتى علي مستوي المعارضة فقط، سيكون خلاف قابل للتداول والمناقشة وتبادل وجهات النظر، لأنه سيدور حول طبيعة الإصلاحات والمستوي الذي بلغته وما هو المأمول منها في الغد..
لكن القول بأن تشكلية المجلس النيابي بالكيفية التى أُعلنت بها quot; ستعرض الجزائر لمخاطر quot; وأن التيار السياسي الإسلامي quot; لا يتحمل مسئوليتها quot;، هو الذي يحتاج لكثير من النقاش خاصة وأن كافة التقارير أكدت ان الأجواء التي أحاطت بالعملية الإنتخابية برمتها إتسمت بالمسئولية علي المستويين الرسمي والشعبي وجرت وقائعها بسهولة ويسر تحت شعار التعاون الذي تبنته الأحزاب السياسية جميعها بنفس الحماس والإيجابية.. خاصة وأن مندوبي الأحزاب


شهدوا للدوائر الحكومية أنها كانت تسارع إلي حل ما يطرأ من مشاكل وتعمل علي معالجتها بحيث لم يترك معظمها أثر سلبي علي مجمل العملية..
من هنا يأتي تساؤلنا..
لماذا تتوقع الأحزاب والتجمعات السياسية الإسلامية المخاطر في ظل النتائج المعلنة؟؟.. والفرصة متاحة أمام الجميع لمناقشة الأمر من جميع جوانبه ضمن إطار سلمي ترتضيه كافة الأطراف، من المؤكد لدينا انه سيقود إلي حالة توافقية حول الكيفية الأكثر إيجابية لتحقيق مصلحة الشعب الجزائري العليا؟؟..
ولماذا تتوقع هذه المجموعة من التيارات السياسية دون غيرها المخاطر، طالما أنها شهدت بأن الأجهزة الحكومية المسئولة قامت بواجبها، وطالما أن نفس الاجهزة تعهدت بالنظر في الطعون التى ستتقدم بها، وإذا ثبت وقوع حالات تزوير في أي من خطوات العملية الإنتخابية.. سيكون هناك موقف قضائي عادل وقانوني حيالها؟؟..
لا شك أن الأجزاب السياسية الإسلامية كانت تأمل في الحصول علي غالبية مقاعد المجلس النيابي الجزائري.. أو علي اقل تقدير بعدد اكبر مما حصلت عليه، وها هو رئيس حزب العدالة والتنمية ndash; فاز بسبعة مقاعد - يقول أنه كان يتوقع ان يفوز حزبه بما لا يقل عن 65 مقعد، ولأنها إرتضت الإحتكام إلي المصوتين عبر الصناديق فعليها أن ترضي ما حققته لأنه يعكس حقيقة علاقة الجماهير بها..
وإذا وقع تناقض بين ما تحلم به هذه القيادات وما أفرزته الصناديق، فعليها ndash; أي القيادات ndash; أن تقوم بعملية مراجعة شاملة وصادقة لتوجهاتها وخطابها الجماهيري..
كتلة الجزائر الخضراء التي حصلت مجتمعة علي 48 مقعد تتشكل من ثلاثة أحزاب سياسية إسلامية كبري، اشهرها مجتمع السلم الذي بلغ حجم عضويته بمفرده في البرلمان السابق 52 مقعد.. لهذا السبب تطالب الكثير من قيادات العمل الإسلامي بمراجعة الجهد الذي بُذل علي مستوي كافة الولايات، وبضرورة تحليل علاقاتها بقواعدها الجماهيرية..
من جانبنا نقول..
يبدو أن النتائج التى حققها الحزبين الإسلاميين النهضة في تونس و حزب العدالة والحرية في مصر علي مستوي الإنتخابات البرلمانية التى شهدتها الدولتين العام الماضي، صورت لقيادة الأحزاب الإسلامية في الجزائر أن العدوي ستنتقل إلي صناديق الإقتراع بها..
وهذا لم يتحقق..
ويبدو أن تركيزهم علي حقهم في الفوز بالأغلبية البرلمانية، لمجرد ان نتائج الربيع العربي في بعض البلدان أتت بأغلبية إسلامية لم يكن أحد يتوقعها.. أناسهم الجهد الهائل الذي بذله كلا التيارين الاسلامين داخل و خارج كل من تونس ومصر لسنوات طوال.. وجعلهم يستسهلون دعاوي التزوير التى قد تكون حقيقة وقد لا تكون..
الخروج للشارع بشكل سلمي، لا إعتراض عليه..
التعبير عن وجهات النظر والحق في الاختلاف، لا إعتراض عليه..
التغيير من داخل صفوف المعارضة، مطلوب في كل الأحوال..

أما التهديد الذي أطلقه عبد الله جاب الله رئيس حزب العدالة والتنمية بإشعال ثورة في الجزائر علي الطريقة التونسية، فهناك الكثير جداً من الإعتراض عليه حتي من داخل حزبه والمؤيدين له.. الخيار التونسي الذي أطاح بزين العابدين بن علي - كما جاء علي لسانه ndash; لا يتوافق مع الأجواء الجزائرية، خاصة وأن فرص المعارضة من داخل المجلس التشريعي الجزائري في ظل الظروف الآقليمية والدولية الحالية، تعتبر في أفضل أحوالها..
وهذا يدفعنا للقول أن النموذج المغاربي يعد الإفضل بالنسبة للمجتمع الجزائري..

bull;إستشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]