هناك محاولات دائمة للمساس بالبعد السيادي للمغرب على أقاليمه الجنوبية، على اعتبار أن الطعن في هذا البعد، بالذات، يصيب المقتل في مجمل المشروع الوطني المغربي القائم على أساس مبدأ الحق المشروع في استكمال وحدته الترابية. وقد شكلت هذه المحاولة أساسا مكينا للتحرك الإستراتيجي للجزائر منذ اندلاع هذا النزاع وخاصة بعد اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا واسبانيا التي تم بموجبها استرجاع المغرب في المرحلة الأولى لإقليم الساقية الحمراء، قبل استرجاع وادي الذهب بعد تخلي موريتانيا عنه بعد ذلك.
فما هو الهدف من المفاوضات التمهيدية بين المغرب وحركة البوليساريو إذا لم يكن التحضير الجدي، وبواسطة إجراءات وخطوات ملموسة للمفاوضات حول الحل السياسي للنزاع كما دعا مجلس الأمن الدولي إلى ذلك بعد فشل خطة الأمم المتحدة حول تنظيم استفتاء تقرير المصير بسبب العراقيل التي وضعها شيوخ البوليساريو أمام عملية تحديد الهيئة الناخبة المدعوة للبت في مصير الأقاليم الجنوبية للمغرب؟ أي تناول جوهر النزاع من خلال حل سياسي متوافق عليه. غير أن المفاوضات التمهيدية قد تحولت إلى هدف في حد ذاتها على أساس خلفيات لا علاقة لها بالبحث عن الحل السياسي المفترض أن يكون هدفها وغايتها الوحيدة، وإنما انتظارا للوقت الذي تبرز فيه مستجدات تسمح للجزائر والبوليساريو بالتبعية بتكريس معارضتها الأصلية للحل السياسي ولمشروع الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب ورأى فيه المجتمع الدولة مقترحا جديا وأرضية للحل الممكن وزعم كونه قد أصبح متجاوزا في ضوء تلك المستجدات التي طال انتظارها من دون طائل.

هل أخطأ المغرب في قبوله المشاركة في مسلسل جولات التفاوض التمهيدية التي تبين له منذ الجولتين الأوليين أنه مسلسل معدوم النتائج، على اعتبار أنه لا يتم التوصل في نهاية كل جولة إلا على اتفاق جديد للعودة مرة أخرى إلى التفاوض غير المباشر دونما أي تقدم يسمح بتوقع الدخول إلى مناقشات الجوهر في يوم من الأيام؟ قد يرى البعض ذلك، غير أن الذي يبدو هو أن الدبلوماسية المغربية فضلت التعامل بطول نفس ومرونة مع ملف المفاوضات في عنوانها التمهيدي حتى تكشف للجميع، عندما يكون الوقت مناسبا، وعندما تبرز معطيات غير قابلة للدحض أن هدف الجزائر والبوليساريو هو تحويل هذه المفاوضات العقيمة إلى بديل عن البحث عن الحل السياسي الذي يعتبر مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب مقترحا كفيلا بوضع المفاوضات حول النزاع على سكة مضمونة النتائج متى توفرت الإرادة السياسية لدى مختلف الأطراف بالعمل الجدي على الخروج من مأزق الحلول القصوى التي يبدو أن الجزائر لم تبرح بعد دائرتها المغلقة. بل يبدو أنها قد دفعت بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الوقوع في فخ من أفخاخها المعدة له من خلال قفزه في مجهول تسييس مهمة المينورسو التي هي بالأصل مهمة تقنية، وكان ينبغي أن تظل كذلك كما كانت منذ انطلاقتها. فلماذا الحرص على تحويلها إلى مهمة سياسية وسيادية في العمق؟

وإذا كان ضروريا للأمم المتحدة أن تهتم بأوضاع حقوق الإنسان وهذا هو واجبها بالتأكيد فما عليها إلا أن تنظر إليها كقضية واحدة سواء بالنسبة للشعب المغربي في شماله وجنوبه كما في مخيمات أبنائه الصحراويين في مخيمات تندوف كانت وما تزال معسكرات احتجاز واعتقال تحت الإدارة الجزائرية المباشرة من دون حسيب أو رقيب.

يمكن ان يكون لكريستوفر روس رأيه الخاص في النزاع المفتعل حول الصحراء ومن حقه أن يكون لديه رأيه في هذه القضية كما في غيرها من القضايا، ومما لا شك فيه أن المغرب يعرف منذ تعيينه مبعوثا خاصا للامين العام أن لديه مواقفه وميوله الخاصة، لكن المغرب يرى أن طبيعة المهمة التي أنيطت به هي التي ينبغي أن تكون العامل المحدد في تعاطيه مع قضية الصحراء. والحال أنه فشل في ذلك فشلا ذريعا، وأخطأ خطأ فادحا عندما اعتقد أن بإمكانه تجاوز قرارات مجلس الأمن الدولي الشديدة الوضوح في العمل من أجل حل سياسي متفاوض عليه.

أضف إلى هذا وذاك، أن التقارير الصادرة خلال السنوات الأخيرة عن أو ضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف ومن قبل عدد من المنظمات غير الحكومية التي سبق لها أن تبنت قضية الصحراء من وجهة نظر الجزائر وجبهة البوليساريو قد وضعت الرأي العام العالمي أمام حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تلك المخيمات وتنوع أساليب المتاجرة بهذه القضية على المستويات المادية والسياسية في آن واحد. فلماذا تتحرك حمية مبعوث الأمين العام لوضع حد لمعاناة المغاربة الصحراويين في مخيمات تندوف؟
وفي سياق تحمل المغرب لمسؤوليته السيادية تجاه قضيته الوطنية، اتخذ قرارا هاما لا لأنه استطاع أن يجهر برفض سلوك كريستوفر روس وتقريره الذي تجاوز صلاحياته التقنية فحسب، بل لأنه أعاد الاعتبار للمعضلة الحقيقية في ملف الصحراء وهي بعده السياسي وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تنص على العمل على إيجاد حل سياسي لهذا الملف الذي عمر طويلا.

وبهذا المعنى أيضا، فإن سحب المغرب لثقته في كريستوفر روس هو بمثابة نقطة نظام سياسية تجاه سلوك منحاز لمبعوث كان من المفترض فيه أن يكون نزيها وعلى مسافة واحدة من مختلف الفرقاء. فالوسيط عندما يتصرف على أساس مواقفه الشخصية ينأى عن دوره الأصلي ويصبح هو نفسه مشكلة وليس عاملا مساعدا على إيجاد الحلول. والمغرب الذي راعى كثيرا كريستوفر روس اعتقادا منه أنه سيستعيد الوعي بمهمته ودوره في لحظة من اللحظات قد أصبح متأكدا من أن هذا لن يحصل بعد أن زج المبعوث الأممي في تقريره الأخير أمام مجلس الأمن، بفقرة كان الأجدى أن لا تجد طريقها إليه لأن المغرب مهما غض الطرف عن جزئيات سلوك كريستوفر روس لن يقبل بترك الحبل على غارب ارتباطاته بالجزائر، ومحاولة فرض الأمر الواقع على المغرب في موضوع الطعن في سلطته السيادية على كامل ترابه الوطني.

لقد أعلن كريستوفر روس عن لونه السياسي ولا يمكن للمغرب إلا أن يمارس سيادته بدءا بتحديد من يتعامل معه في موضوع الصحراء والشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه والأخلاقيات السياسية التي ينبغي أن يكون وفيا لها.

اليوم خسر كريستوفر روس ثقة المغرب، وبذلك خسر دوره ووظيفته على هذا الصعيد. وليس مهما بعد اليوم ما سيعلنه من مواقف مغرضة لأنه فقد الموقع الذي كان يمكن أن يضفي عليها نوعا من المصداقية.

أما المغرب فقد استطاع أن يقول كفى. فإما مفاوضات جدية هادفة إلى إيجاد الحل السياسي، وإما وضع حد لمسلسل مفاوضات عقيمة لا تخدم إلا مصلحة من يعارضون الحل السياسي للنزاع ويعملون على إطالة أمده هدرا لطاقات المغرب الكبير وابتعادا عن منطق المعاهدات المبرمة بين بلدانه وآخرها معاهدة مراكش التي أسست اتحاد دول المغرب العربي.

كاتب وباحث مغربي