هناك مجزرة وقعت قبل أشهر كانت نسخة كردية عن مجزرة quot;الحولةquot; التي ارتكبها النظام السوري ضد المدنيين العزل في مدينة حمص المنكوبة. هذه المجزرة أسمها مجزرة quot;روبوسكيquot;. وquot;روبوسكيquot; هو اسم القرية الكردية النائية والتابعة لمنطقة quot;اولودارةquot;، وتقع على الحدود الفاصلة بين اقليم كردستان العراق وتركيا في اقصى الجنوب الشرقي للبلاد. المصدرالوحيد للرزق لاهالي القرية هو تجارة الحدود او التهريب، وبالتحديد جلب الدخان والمازوت من اقليم كردستان الى تركيا، والغلة بالكاد تكفي لسد الرمق وشراء اللوازم والالبسة المدرسية لاطفال القرية وللاكبر سنا لمن يذهبون الى المدينة لاكمال الدراسة الاعدادية والثانوية. التهريب يتم ولعدة سنوات في وضح النهار وبالاتفاق مع المخافر الحدودية للجيش التركي سواء بغض النظر او مقابل رشاوى.

ماحدث انه وبعد ظهر يوم 28 كانون اول 2011 سارت قافلة مكونة من 37 قرويا من بينهم عدة اطفال مابين سن 13 14 ربيعا مع بغالهم تحت الامطار والثلوج والبرد القارس الذي تشتهر بها تلك المناطق الجبلية الشاهقة والوعرة، متوجهين الى اقليم كردستان من امام المخفر الحدودي كالعادة. حوالي الساعة التاسعة ليلا كانت القافلة تقترب من الحدود في طريق العودة وهي مطمئنة البال تحلم بعدة مئات من الليرات. احدى طائرت المراقبة التركية من طراز quot;هيرونquot; الاسرائيلية الصنع بلا طيار رصدت القافلة. الصورالملتقطة من الطائرة تٌحول مباشرة الى غرفة العمليات في رئاسة الاركان التركية لاتخاذ القراراللازم. كل ماتلتقطه هذه الطائرات تذهب الى اسرائيل ايضا كشرط وضعته هذه الاخيرة لتسليم تلك الطائرات الى تركيا وهي طائرات تجسس متطورة جدا. في هذه الاثناء كانت طائرة تجسس امريكية بدون طيار من طراز quot;بريداتورquot; قد تمكنت من اكتشاف القافلة، وطلب الامريكان من الجيش التركي السماح لهم للاقتراب من القافلة للتأكد فيما اذا كان الرجال ينتمون الى مقاتلي حزب العمال الكردستاني ام لا. رئاسة الاركان التركية رفضت الطلب وذلك حسب التصريح الامريكي الرسمي الصادر بعد ما يقرب من ثلاثة اشهرعلى الحادثة.

طبعا هناك تعاون وتنسيق استخباراتي بين امريكا والجيش التركي لدعم تركيا ضد المقاتلين الكرد. في حوالي التاسعة والنصف من تلك الليلة انقضت الطائرات الحربية التركية من طراز ف 16 بقنابلها على هؤلاء المدنيين العزل وابادتهم بشكل همجي مشتتة الاجساد الى اشلاء مبعثرة خلال ثواني معدودة. نجا من الحادثة ثلاثة اشخاص كانوا بعيدين عن القافلة. مضت على الحادثة اكثر من اربعة اشهر والرأي العام التركي لا يزال يغلي ويطالب بمعرفة الفاعلين من الذين يقفون وراء هذه الجريمة وتقديمهم الى العدالة.

رئيس الوزراء السيد رجب طيب اردوغان اعترف قبل اسابيع بان ماحدث كان خطأ كبيرا وذلك بعد ان افشى الامريكان اسرارالعملية من جهتهم وتبرءوا من اي دور لهم فيها. الراي العام لايزال يصر على تقديم الحكومة للاعتذار ويريد معاقبة الفاعلين ومعرفة هوياتهم. السيد اردوغان يتهرب من المساءلة، وآخرتكتيك له كان اثارة موضوع الولادات والاجهاض لالهاء الراي العام به وقد حقق بعض النجاح. الا ان قضية quot;روبوسكيquot; صارت ككتلة الثلج تتدحرج وتكبر.

قبل مجزرة quot;روبوسكيquot; ببضعة اشهرهاجم المقاتلون الكرد بعض مفارز الجيش التركي وكان عدد الضحايا اكبر من عشرين جندي. السيدان برهان غليون وعلي صدرالدين البيانوني ادليا بتصريحات ادانوا فيها تلك العملية التي قام بها مقاتلو حزب العمال الكردستاني.

السؤال الآن: لماذا هذا الصمت ازاء ما حدث في quot;روبوسكيquot; اوquot;الحولةquot; الكردية من نفس الاشخاص والذين يمثلان المجلس الوطني السوري والاخوان المسلمين؟.

السكوت الحالي من قبلهما وقبل مجلسهما يعني ان استنكارهم السابق لم يكن الهدف منه شريفا، اي نبذ العنف والوقوف الى جانب الحق، بل يعني انهم كانوا مجرد آلات في ايدي quot;ولي النعمةquot; أي الحكومة التركية وهي التي تحركهم كيفما تشاء.

بالنسبة للاخوان المسلمين فان موقفهم ازاء الكرد ليس فيه اي جديد. الكرد في نظرهم ليسوا مسلمين، ومواقفهم معروفة منذ مجازرحلبجة والانفال وغيرها عندما وقفوا الى جانب الطغاة والمجرمين ضد الكرد المدنيين الابرياء. حركة الاسلام السياسي هي من اكثر الحركات التي تشتهر بالانتهازية. اية سياسة يرتأون هم احرار فيها، ولكن بشرط ان لا يلوثوا الدين الاسلامي في وحول السياسة لتحقيق مآربهم من طموحات سياسية ومصالح مادية انانية.

كتب الصحفي الكبير السيد جنكيز جاندار في مقاله الاخير في صحيفة (راديكال) الآتي: quot;هل هناك من يصدق الموقف التركي من تباكي وانفعال ازاء ما حدث في مجزرة quot;الحولةquot; على ايدي النظام السوري، في الوقت الذي ارتكبنا فيه مجزرة لا تقل عنها همجية في quot;روبوسكيquot;؟.علما ان سوريا في حالة حرب اهلية وفي ظل نظام فاقد للشرعية، بينما الحكومة التركية منتخبة وشرعيةquot;.

نحن ايضا نسأل الاخوان المسلمين: هل بقي احد من الكرد يصدقكم وانتم تطرحون هذه المواقف الازدواجية من ملة مسلمة خدمت الدين الاسلامي دهورا طويلة؟.

طبيب كردي سوري
[email protected]