عندما زار الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر في ليلة رأس السنة الميلادية للعام 1978 إيران أي قبل حوالي سنة من سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وسمى إيران بـquot;جزيرة الاستقرارquot;، كان لا يعرف ان البلد الذي وضع عليه قدميه في ذلك الوقت، سيجعله ببساطة ضمن الرؤساء الديمقراطيين القليلين الذين لم ينتخبوا لفترة رئاسية ثانية.

اليوم يعيد التاريخ نفسه.. فسياسات ادارة الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما حيال ايران تقف اليوم أمام اختبار صعب قد تكون له تأثيرات كبيرة بشأن تحديد مصير الانتخابات الرئاسية الاميركية المرتقبة في نوفمبر العام الحالي. هذه السياسة المبنية للأسف على التقليل من أهمية الخطر النووي لنظام ملالي طهران والتي توحي بأن العالم لا يوجد عنده حل لمواجهة الأزمة النووية الإيرانية. في الوقت الذي لا بد ان تعرف فيه ادارة اوباما انها لو ارادت حقا عدم امتلاك الملالي للقنبلة الذرية فانه سيكون لزاما عليها ان تترك سياسة المساومة مع الملالي واسترضائهم وان تتوجه بدلا من هذه السياسات الاسترضائية إلى المعارضة الايرانية الديمقراطية المتمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية والعمود الفقري لها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وان تقوم على الفور بالاعتراف بهذه المعارضة.

هناك شخصيات عديدة في هذا العالم المترامي الاطراف طالبت وما زالت تطالب بشطب إسم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية من قائمة الخارجية الاميركية للمنظمات الارهابية. سيما وان في الولايات المتحدة نفسها بشكل خاص وحسب ما جاء في مقال في صحيفة واشنطن بوست الصادرة بتاريخ 6 يوليو الحالي quot;أن منظمة مجاهدي خلق تمكنت من استقطاب عدد من الأسماء الكبيرة في السياسة الاميركية وفي الأمن القومي الأمريكي. كما وتوجد من ضمن هذه الأسماء رودي جولياني عمدة نيويورك الشهير أبان هجوم 11 سبتمبر، وإد رندل حاكم ولاية بنسلفانيا السابق والزعيم السابق للحزب الديمقراطي الأمريكي، وجيمز جونز مستشار الأمن القومي الأمريكي حتى عام 2011.. وعلاوة على هذا تشمل قائمة مؤيدي هذه المنظمة تام ريج وزير الأمن الداخلي السابق، وهوارد دين حاكم ولاية ورماند السابق، ومايكل موكيزي وزير العدل، ولويي فري رئيس إف بي آي، وهيو شلتون الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الأمريكي، وجون بولتون وبيل ريتشاردسون الممثلان الدائمان السابقان للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وميتشل ريس من سلطات الخارجية الأمريكية حيث كان من عام 2008 من ضمن كبار مستشاري المرشح الجمهوري الحالي للإنتخابات الرئاسية ميت رامني في السياسة الخارجية.

وفي خضم هذه المعركة يطلع علينا اثنان من المسؤولين في الخارجية الاميركية عبر تصريحات لوسائل الاعلام يتجاهلان فيها الظروف اللانسانية والتعسفية التي خلقتها السلطات العراقية في مخيمي أشرف وليبرتي لعناصر منظمة مجاهدي خلق ويتحدثان بان quot;سكان أشرف عقدوا العزم أن لا يذهبوا الى ليبرتي كونهم أساءوا تفسير قرار محكمة الاستئناف الاميركية حول شطب المنظمة من قائمة (المنظمات الإرهابية للخارجية الأمريكية) لصالح المنظمة ويعتقدون بأن الخارجية الأمريكية مضطرة على أي حال على شطبهم من القائمةquot;.

ونتساءل هنا.. هل حقا ان هؤلاء السكان العزل في اشرف quot;عقدوا العزمquot; ان لا يذهبوا إلى ليبرتي؟. حسب معلوماتنا أنه وباصرار الحكومة الأمريكية والسيد مارتن كوبلر (الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة اليونامي) نفسه وبوساطة الأصدقاء المشتركين، التقى السيد كوبلر بتاريخ الأول من يوليو في اوفيرسوراواز بضواحي باريس العاصمة الفرنسية وبحضور عدد من المراقبين الأمريكيين والاوربيين مع ممثلي أشرف. وإن هؤلاء المراقبين انخرطوا في الحوارات بهدف تحقيق عملية النقل من أشرف الى ليبرتي مع تأمين الحد الادنى الانساني لاحتياجات السكان. وكان هناك اجماع على اتفاق بانه دون تحقيق هذه الحدود الدنيا من المطالب لا يجوز ان يتم أي نقل من أشرف الى ليبرتي. وعقب هذا اللقاء، دوّن نائب رئيس البرلمان الاوروبي الذي حضر اللقاء مطالب السكان التي من المفروض أن تتحقق بشكل كامل قبل نقل مجموعة لاحقة في 10 مواد. وهذه المطالب كانت باختصار عبارة عن نقل عدد من اجهزة التبريد العائدة للسكان من أشرف إلى ليبرتي مع نقل كافة المولدات الكهربائية العائدة للسكان وما تبقى من ممتلكاتهم 5 رافعات شوكية لرفع ونقل الممتلكات ونقل ثلاثة عجلات و6 كرفانات (مقطورات) خاصة مصممة للمرضى المصابين بشلل في الظهر وما دونه، والسماح ببناء الرصيف والمظلات وربط ليبرتي بشبكة مياه مدينة بغداد والسماح بوصول التجار والمشترين الى أشرف لشراء الممتلكات المنقولة العائدة للسكان وبدء المفاوضات بين سكان أشرف وممثليهم مع الحكومة العراقية حول كيفية بيع الممتلكات غير منقولة أو الحوار مع أطراف أهلية بضوء اخضر من الحكومة العراقية في هذا الشأن.

والآن كيف يستطيع اي شخص ان يحكم بأن هذه المطالب هي مجرد كماليات او انها مطالب غير منطقة؟ مع ان هذه المطالب هي لاحتياجات اساسية لا يستطيع السكان الاستغناء عنها.. مع العلم ان السكان تعهدوا باخلاء اشرف فور تحقق هذه المطالب.

والسؤال الذي يطرح نفسه الان.. لماذا تقوم الخارجية الأمريكية وبشكل مخجل بالقاء اللؤم على السكان جراء هذه المطالب البسيطة والمشروعة، وتقوم بمساعدة الحكومة العراقية والنظام الايراني الذي يعمل على تدمير سكان أشرف، بدلا أن تدافع عن السكان وعن مطالبهم الانسانية وتوجه ضغطها على السلطات العراقية بدلا من توجيه هذا الضغط على السكان العزل المستعضفين.. وجوابنا على هذه المسالة ببساطة يعود الى الاصل الحقيقي للمشكلة، وهو استمرار سياسة المساومة والتفاوض العبثي مع نظام الملالي. وشاهد على هذا، الترحيب الواسع جدا لديكتاتورية ولاية الفقيه من حيث مواقف المسؤولين السابق ذكرهما في الخارجية الاميركية. حيث يخبر لسان حال الحرس الثوري الارهابي الإيراني عن quot;انذار الخارجية الأمريكية لمجاهدي خلق حول خروجها من أشرفquot; وتتحدث وكالة أنباء quot;إيسناquot; الحكومية عن quot;تمردquot; مجاهدي خلق الامر الذي quot;أدى إلى احتجاج الخارجية الاميركيةquot;.

نعود إلى تصريحات المسؤولين في الخارجية الأمريكية القائلة بأن مجاهدي خلق تسيء تفسير قرار محكمة الاستئناف الأمريكية حول شطب المنظمة من قائمة الارهاب؟ وجوابنا طبعا بالنفي.. ابدا لم يكن هناك اي اساءة في تفسير قرار محكمة الاستئناف. اولا لأن تحذير وزارة الخارجية الأمريكية وربطها المستمر بين إخلاء أشرف والغاء التسمية الارهابية مع تجاهل الحقوق الانسانية لمجاهدي خلق في أشرف وليبرتي، لا يرتكز الى سند او أساس قانوني وهو أمر غير مقبول. ولو كان الأمر يؤخذ على هذا القياس لكانت محكمة واشنطن قد اخذت ذلك بعين الاعتبار عندما اتخذت قرارا في هذا الامر. لم يكن هناك سوء فهم ابدا حول صلاحيات وزيرة الخارجية الأمريكية بخصوص اعادة التصنيف، من حيث ان الوزيرة تستطيع اليوم أن تأخذ قرارها في اعادة التصنيف كما باستطاعة مجاهدي خلق أن تعيد رفع شكوى بهذا الخصوص من جديد غدا وان يتحدوا قرار الوزيرة. بالتأكيد لو كانت لدى الوزارة دليلا او وثيقة او مستمسكا كما ورد في قرار المحكمة لما كانت تقبل 600 يوم من quot;التأخير الكبيرquot; ولما كانت تتردد في التصنيف من جديد.

إذن المشكلة المستعصية تراوح مكانها وتتلخص في ان السياسة التي ينتهجها قسم من الادارة الأمريكية في المساومة مع ديكتاتورية ولاية الفقيه في إيران ما زالت تمضي في طريقها ولا تريد أن تترك هذه السياسة. نحن هنا لا نقصد ان نستنكر هذه السياسة المشينة فقط، بل نقول ان هذه السياسة يجب اقتلاعها من جذورها. وما عدا ذلك فان مسألة ايران ستترك تأثيرا غير قابل للتنبؤ حول مصير الانتخابات الرئاسية المقبلة مثلما تركت ذلك التأثير السلبي زمن جيمي كارتر.

* خبير ستراتيجي إيراني
[email protected]