اتصل بي عدد من الاصدقاء بين معاتب ولوام على اقحام المرجع الاعلى للشيعة في العراق السيد السيستاني في مقالي حول ردة فعل الشارع العربي والاسلامي ضد الفلم المسيء للنبي عليه الصلاة والسلام والمنشور قبل ايام في صحيفة ايلاف.

لقد تناولت في مقالي المشار اليه في الرابط المذكور، دعوة سماحته الامم المتحدة الى تبني تشريع دولي يجرم الاساءة للنبي محمد.
ربما وجد الاصدقاء ان موقف المرجعية الدينية في النجف وفي اطار الافكار المطروحة في مقالي السابق لا يتناسب مع حجم ومكانة السيستاني. وانا اتفق مع الاصدقاء بأن موقف المرجعية لايتناسب مع دورها!

صدقا، انني استشهدت بالسيستاني لانه مرجع ديني شعبي يمثل طائفة اسلامية كبيرة الا وهي الشيعة، الذين بعمومهم سواء في العراق او العالم ينقادون له. ووصفته بالشعبي لانه لم يعين من قبل السلطة وبالتالي لايخضع لها، هذا من جانب.

مهند السامرائي

من جانب اخر، افترض ان سماحته يمارس دوره الديني ويعبر عن معتقداته بحرية كاملة لانه يعيش في quot;بلد ديمقراطي تنتقل فيه السلطة بشكل سلمي عبر صناديق الاقتراعquot;. فالمنتظر من سماحته التعبير عن جوهر الاسلام بصدق ووضوح والتعامل مع احداث الساعة من هذا المنطلق سواء اكان الفلم المسيء للرسول ام ابادة الشعب السوري او قضايا الفساد والتشبث بالسلطة في العراق اوغيرها من القضايا الانسانية، وان يوجه اتباعه وجماهيره ببوصلة الاسلام الحقيقي وليس اسلام الساسة والماسكين بالسلطة ومدعي التدين.
هكذا اتوقع....

اذا كانت مواقف السيستاني نابعة من محاباته لرموز السلطة الشيعية واسيادهم في ايران فتلك مصيبة! واما ان كانت عن قناعة منه بانها تتماشى مع جوهر وروح الاسلام وغاياته، فالمصيبة اعظم!

هنا تبرز اشكالية العلاقة بين الدين والسياسة، وعلاقة رجال الدين بالسلطة. فلعقود طويلة من الزمن ظل مفكروا المذهب الشيعي يتباهون باستقلالية علماءهم عن السلطة الحاكمة على عكس علماء المذهب السني الذين كانوا يدورون في فلك السلطان.
هذا عندما كان الشيعة خارج السلطة، فماذا يقولون اليوم؟
لقد اثبتت الحقائق ان النظريات عندما تصطدم بالواقع فانها ما تلبث ان تتهاوى!

المرجعية الدينية في النجف ممثلة بالسيد السيستاني تحكم العراق منذ سقوط نظام صدام حسين المجرم على يد القوات الامريكية عام 2003، منذ ذلك التأريخ لايعلو صوت فوق صوت المرجعية الدينية، وجميع الساسة على اختلاف المشارب والاتجاهات الدينية والقومية يسعون اليها طالبين ودها.
مالذي ميز دورها؟

سيقول قائل. لولا المرجعية لاباد الشيعة السنة عن بكرة ابيهم في حرب اهلية طاحنة؟؟؟ ربما القول صحيح الى حد ما. ماذا بعد؟
لكن هل استطاعت ان تقدم مشروعا حضاريا وفكريا عصريا مميزا للاسلام ولو من وجهة نظر المذهب الشيعي واستلهام السيرة الانسانية والاخلاقية المشرقة لال بيت النبوة لتستريح ارواح الذين ضحوا من اجل وصول الاحزاب الدينية للحكم ويبتهج كل من حمل شعار الاسلام. نموذج يصلح لمخاطبة الناس والتأثير فيهم لااقول لكل الناس في العالم ولمختلف الاتجاهات والمستويات الفكرية، وان كان يفترض ان يكون احد اهداف الحركة الاسلامية، لكن على اقل تقدير لكسب احترام وتقدير وثقة اتباع المذهب السني وغيرهم من الملل والاديان والقوميات التي تعيش في العراق؟

هل قدمت نموذجا سياسيا مؤهلا لممارسة السلطة والحكم بضوابط ومباديء الاسلام السامية، يركن له العراقيون ويأمنون على مستقبلهم ومستقبل ابناءهم في ظل حكم ديني، بدلا من دعوة الناس الى انتخاب قائمة انتخابية بعينها بدوافع طائففية والا فالوعيد بعذاب في الدنيا قبل الاخرة؟
ام ياترى انحسر دور المرجعية التي ما فتأت لقرون تتباكى على مظلومية الشيعة وحقهم المغتصب في الحكم، الى اضفاء الشرعية والبركة على ممارسة الاحزاب الشيعية للسلطة بغض النظر عن مدى انسجام هذه الممارسة مع قيم ومباديء الاسلام؟

العمل المؤسساتي والتنظيم الحزبي احد ركائز المجتمعات الحديثة وشرطا لتطورها واستقرارها وكان ينبغي ان تنسحب هذه القاعدة على عمل المرجعية من خلال تجربة الحكم في العراق! ما حدث هو العكس.

فالمجتمع العراقي كان اكثر استقرارا وهدوءا ولحمة قبل وصول الاسلاميين المدعومين من قبل المرجعية، والاسلام كان اكثر تأثيرا وهيبة، ربما لان المسلمين كانوا يمارسون طقوسهم وشعائرهم الدينية بفطرة سوية وصفاء ذهني؟

تبقى مرجعية النجف في العراق هي الملامة ويقع على عاتقها التقصير في عدم وجود ملامح لنموذج اسلامي عصري متميز يمكن ان يكون اساسا لعصر نهضة اسلامية يتباهى المسلمون به، لانها اكثر تنظيما وتأثيرا في جماهيرها الاسلامية من نظيرتها السنية التي تفتقر لمرجعية دينية واضحة.

ربما تكمن المشكلة في المؤسسة الدينية التي تقدم نفسها على انها ممثل للاسلام ومعبر عنه وفي الحقيقة هي لاتعبر الا عن نفسها وعن مشاريعها الخاصة والجهات التي ترتبط بها.