حزمة الاصلاحات الديموقراطية التي اعلن عنها السيد اوردوغان وفق ما ذهبت اليه اغلب وكالات الانباء و الدول المهتمه بالشأن التركي وايضا وهو الاهم موقف حزب العمال الكوردستاني الذي يخوض غمار مفاوضات صعبة مع الدولة التركيه كلها اجمعت على ان الاصلاحات المطروحة كانت دون المستوى المتوقع والمطلوب واعتبرته مجرد استعداد للانتخابات القادمة ولم يتناول القضايا الاكثر الحاحا في الوضع التركي الداخلي خاصة ما يتعلق بالقضية الكوردية والمشكلة القائمة ليس منذ ثلاثة عقود حيث بدأ حزب العمال الكوردستاني بالثورة المسلحة وانما منذ تأسيس الدولة التركية الحديثه التي حاولت على مدى قرن من الزمان صهر الكورد في بوتقة عنصرية حرمت بقوة القانون حتى التحدث بلغتهم الام.

اليوم وبعد جولات من المفاوضات مع السيد اوجلان زعيم حزب العمال الكوردستاني والتي قادها رئيس المخابرات التركي وتكللت تلك الجهود بانسحاب ثوار الحزب من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها وفق اتفاقات سابقة ومن اجل منح السلام فرصة حقيقيه تأتي حزمة الاصلاحات مخيبة للامال وتمنح كل المتشددين اينما كانوا فرصة استثمارها لاعادة الوضع الى المربع الاول مربع الاقتتال ودوامة العنف المسلح وهو الامر الذي لا يخدم عملية السلام بأي شكل كان ومن المفروض سد هذا الطريق سواء من قبل الحكومة التركية او من قبل حزب العمال الكوردستاني وكلا الطرفين يعرف صعوبة التوصل الى سلام عادل وحقيقي في ضل تراث الاتاتوركية الثقافي والسياسي المعروف وهو على سبيل المثال لا يمكن مقارنته بالتراث العربي في العراق اذ لم تكن هناك حالة عداء شعبي مستمر لعقود من الزمن وعندما حقق الزعيم التأريخي المرحوم مصطفى البارزاني الحكم الذاتي لكوردستان العراق بالاتفاق مع الدولة ( اذار عام 1970 ) احتفل الشارع العربي في كل أنحاء العراق بالمناسبة بقدر ما كان ابناء الشعب الكوردي يحتفل به في كوردستان واستقبلت بغداد نجلي البارزاني ( السيد مسعود البارزاني والمرحوم شقيقه ادريس البارزاني ) في ساحة التحرير استقبال الابطال وهو امر من الصعب تصوره في تركيا التي لا تزال تعاني من كابوس ومخلفات الاتاتوركية البشعة والاحصاءات التي قامت بها مؤسسة ( كونسنس ) التركية لاستطلاع الرأي بينت ان 40% فقط من الذين شملهم الاستطلاع في 81 ولاية ايدت خطوات الحكومة في حل المسألة الكورديه ! وهو ايضا دليل على صعوبة طريق السلام.

حقا ان حزمة الاصلاحات كانت دون المتوقع ومع ذلك فهي لا تخلو من جوانب ايجابيه ومن بينها الكتابة بالابجدية الكوردية والتعليم باللغة الكورديه وان كانت محصورة بالمدارس الخاصة والاهم من هذا هو تقليل نسبة المشاركة والوصول الى البرلمان التركي الذي كان يفرض نسبة 10% هذا بالاضافة الى اعادة اسماء المدن والبلديات الكوردية الى مسمياتها الكوردية الاصلية.

انها ايضا خطوة الى امام رغم انها لم تعترف بوجود الشعب الكوردي وتميزه القومي ولا بحقوقه العادلة والمشروعة الامر الذي كان وسيكون حتما في صالح تركيا الديمقراطية ومستقبلها ومستقبل العلاقة بين الشعبين الكوردي والتركي على مستوى المنطقة ككل.

السؤال المهم الذي يفرض نفسه : ما البديل لرفض حزمة الاصلاحات والطريق الصعب نحو السلام العادل؟ انه قطعا ليس في العودة الى تجيش الجيوش والمرتزقة لحرق كوردستان من قبل الدولة التركية ولا العودة الى الكفاح المسلح والثورة بالنسبة الى حزب العمال الكوردستاني فالدولة التركية جربت كل وسائل العنف الممكنة لوأد الثورة الكوردية ولم تفشل فحسب وانما كلفت تركيا ثمنا باهضا لا يعوض سواء في الارواح او الاموال وبالمقابل فحزب العمال الكوردستاني انتصر في احياء وبعث الهوية الكورديه وحقق انجازات هائلة في ابراز القضية الكوردية سواء على المستوى الداخلي او الدولي وايضا فقد لجأ الحزب عدة مرات ال اعلان الهدنة حتى من جانب واحد من اجل السلام وفتح باب الحوار لذلك فان أي عودة للمربع الاول لن يخدم أي طرف ولابد من الاصرار والمضي قدما في طريق السلام والنضال السلمي خاصة وان الحزب يتمتع بشعبية كبيرة تمكنه من اللجوء الى كل الاختيارات المتوفرة من اضرابات وتظاهرات واعتصمات مدنية وقبل كل هذا وذاك امامه فرصة كبيرة لدخول البرلمان التركي والدفاع عن حقوق شعب كوردستان مع الغاء نسبة ال 10% السابقة.

الطريق الى سلام عادل وحقيقي واعتراف كامل بحقوق الشعب الكوردي يتطلب شجاعة فائقة في التمسك بالحوار والتفاوض و الحل السلمي.....انه طريق السلام الصعب ولكنه الطريق الصائب والسليم والذي يتفق تماما مع مصالح تركيا الديمقراطية عامة ومصالح الشعب الكوردي خاصة فهل من مجيب؟

bull;[email protected]