سجل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني quot;مسعود بارزاني quot;براعة سياسية عندما ساوم عدوه وعدو والده التاريخي ومنافسه الوحيد في الساحة السياسية الكردية quot;جلال طالبانيquot; على تقسيم السلطة معه ضمن نظام محاصصة بدأ يرسخ قوائمه مع تشكيل اول حكومة عراقية عام 2003، حيث اختار هو ان يتولى رئاسة اقليم كردستان quot;المنصب الحيوي الفاعل ذا الصلاحيات الواسعةquot;، بينما تكون رئاسة الجمهورية quot;(الوظيفةquot;السيادية! quot;المنزوعة الصلاحية)من حصة quot;مام جلالquot;الذي قبلها عن طيب خاطر، دون ان يدرك مكامن الخطر في القرار الذي اتخذه، حيث الزمته الاتفاقية الثنائية التي تحولت فيما الى اتفاقية استراتيجية عام 2006 على الا يتدخل بشؤون الاقليم ويحافظ على استقلالية قراراته، وقد التزم quot;طالبانيquot;ببنود هذه الاتفاقية ولم يتدخل قط في شأن من شؤونه، كذلك الامر بالنسبة للـquot;بارزانيquot;، وقد ظهر بعض ملامح هذه الاتفاقية في الموقف المعارض الذي اتخذهquot;طالبانيquot;حيال عملية سحب الثقة من رئيس الحكومة quot;نوري المالكيquot;في يونيو من عام 2012 والتي تحمس لهاquot;بارزانيquot;والقادة الاخرون بشدة، وكان هذا الموقف سببا رئيسيا في افلاتquot;المالكيquot; من السقوط المحتم..وقد حقق quot;بارزانيquot;في عملية توزيع السلطة quot;المحاصصيةquot;، هدفين اثنين غاية في الاهمية ؛ اولهما انه تمكن من ابعاد منافس قوي، شديد المراس من الساحة السياسية الكردية وانتزاعه من بين مناصريه ومؤيديه ومن قواعده الحزبية واخراجه نهائيا عن الصراع السياسي والدموي الدائر منذ عقود طويلة حول قيادة الشعب الكردي بصورة قانونية quot;الحلم الذي سعى من اجله كل من ناضل وقاد المجاميع المسلحة في الجبال ضد الحكومات العراقية المتعاقبةquot;وقد تحقق لquot;بارزانيquot; ذلك بسهولة ويسر ودون اي تضحيات سياسية جسيمة، ثاني هذه الاهداف انه ايquot;بارزانيquot;استطاع ان ينهك قوى منافسه الكبير وينزف طاقاته في مجتمع غريب عنه، وهو المجتمع العربي العراقي الذي لم يعهده من قبل، ولم يتعامل معه عن قرب، زاخر بالمشاكل والازمات والصراعات الطائفية، مختلف تمام الاختلاف عن المجتمع الكردي، لذلك نلاحظ ان وجوده الطويل في بغداد رئيسا للعراقquot;لدورتين انتخابيتين ؛ ثمان سنوات quot;لم يثمر عن اي مشروع سياسي او اجتماعي يذكر على الصعيدين الكردي او العراقي، ولم تفلح مبارداته الكثيرة للسلام في جمع الفرق والاحزاب السياسية المتصارعة على كلمة واحدة، بل بالعكس زدات فرقة وتقسيما.. والادهى من ذلك ان مكوثه الطويل في بغداد وغيابه المتكرر عن قواعده الحزبية في كردستان اثر بشكل مباشر على انهيار حزبه وانشقاقه على يد نائبه ورفيق دربه الطويل quot;نوشيروان مصطفىquot; الذي شكل حزبا اخر على النقيض من توجهاته الفكرية والسياسية سماه quot;حركة التغيير quot;واستطاعت هذه الحركة ان تستقطب اصوات الجماهير في الانتخابات الاخيرة التي جرت في كردستان (21/9) وتخطف الاضواء عن الحزب الام quot;حزب طالبانيquot;وتأتي ثانية بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة quot;بارزانيquot;.. واذا ما شاركت حركة التغيير المعارضة في الحكم وهذا ما صرح به قادتها، فانها ستكون بداية لنهاية حزبquot;طالبانيquot;كحزب واحد موحد، وقد يتفرق الى عدة احزاب صغيرة مستقلة بعضها عن بعض، وهذا احتمال وارد بقوة في ظل غياب quot;طالبانيquot;عن الساحة وفي ظل وجود قادة مختلفين ومتصارعين.

امام هذا الحزب ثلاثة خيارات احلاها امر من الاخرى للخروج من ازمته السياسية ؛ فاما ان يشارك في السلطة كقوة ثالثة quot;غير مؤثرةquot;في ظل وجود عدوته اللدودةquot;حركة التغيير quot;على رأس السلطةquot;، وهو ما لايرضى به مؤيدوه وانصاره، واما ان ينتقل الى حزب معارض للحكومة يمارس السياسة خارج السلطة كما كانت تفعل حركة quot;التغييرquot;لسنوات!.. وهذا ايضا من المستحيل تقبله، ويبقى الخيار الثالث الوحيد الذي سيوافق عليه quot;صاغرا quot;حسب اعتقادي وقراءتي للواقع، وهو تشكيل حكومة ائتلافية مع quot;الديمقرطي الكردستاني quot;صاحب القدح المعلى في العرس الانتخابي، وفق الاستراتيجية الجديدة التي يفرضها عليه وليس وفق الاستراتيجية القديمة.

[email protected]