السؤال المتداول الذي يأخذ طوراً جديداً في الأوساط العسكرية يتعلق بكفاءة وصلاحية القيادات العسكرية القديمة والترهل والشلل الذي أصابها والقوات المسلحة في فهم طرق مواجهة أسلحة قتال متطورة حديثة.

الحقيقة القديمة المخفية أن مؤسسات وزارات الدفاع وهيئات الأركان العربية وغرف العمليات كانت لعقود تدار دون كفاءة علمية أو معرفة مهنية وتقع أساساً تحت رحمة الشخصية السياسية التي تأمر وتتقلد المنصب ورتب المارشالية العسكرية. ومن الحذر أن يسأل الأنسان العربي: أين موقع قادة هذه المؤسسات من العلم والثقافة وخبرة المعرفة بالعلوم العسكرية والحاجة الى الأسلحة الحديثة وتطورها التكنولوجي الزمني؟ ومن الحذر أن نسأل :هل تحولت هذه المؤسسات الى مليشيات وأوكار قادة أحزاب وزمر تقود الى الدمار الداخلي؟

بداية، لنتفحص المقارنة التالية. الإختبار الناجح الأخير للصاروخ الموجّه المتقدم المضاد للإلكترونيات الذي أجرته شركة بوينك Boeing في صحراء ولاية يوتا الأمريكية قد يُغيّر حرب المستقبل - CHAMP، بعد تجارب خبراء الأسلحة، يضيف الى التطور العسكري صفحة جديدة، فقد إستطاع هذا الصاروخ هزيمة الأهداف الإلكترونية المحددة بنجاح (مع قليل إو بدون أضرار بشرية إضافية مصاحبة) وجعل أهدافه من الأجهزة الإلكترونيةَ المضادة المعادية عديمة الفائدةَ.

أثناء الإختبار، حلّقت القذيفة في خط طيران مُبَرمَج مُسبقاً وبَعثت إنفجارات أو إشعاعات عالية الطاقة دمّرت بصورة فعالة البيانات (DATA) والأنظمة الإلكترونية الفرعية لأهدافها المحددة من الأجهزة والبيانات على الشاشة الإلكترونية. يستطيع الصاروخ المطور إستخدام موجات الراديو ذات الذبذبات العالية لتضرب أهداف عديدة خلال غارة واحدة.

هذه التكنولوجيا تدخل عصراً جديداً الى الحروب المعاصرة وتُستخدم لجعل أنظمة وأجهزة العدو الإلكترونيةَ وأنظمةَ بياناتِه عديمة الفائدة حتى قبل طلائع الجنود أَو تحليق الطائرات الأولى وأرسالها لآجواء المعركة.

وبالمقارنة مع الإختبار الناجح للصاروخ الموجّه المتقدم المضاد للإلكترونيات الذي أجرته شركة بوينك Boeing في صحراء ولاية يوتا الأمريكية CHAMP، فأننا نرى المؤسسة العسكرية المصرية مثلاً، في كامل التخبط العسكري والسياسي منذ أزالة الرئيس مبارك والرئيس مرسي. وأشير هنا الى ما كتبه باحث أمريكي مختص بالشؤون المصرية وأستاذ في الأكاديمية البحرية الأمريكية في مدينة مونتريه ndash; كاليفورنيا، كتب قائلاً quot; أن مصر أهملت تدريب الطيارين المصريين الى أوطئ درجة وأن معدل سقوط وتحطم طائرات ف -16 هو الأسوء في العالم بسبب سوء الصيانة الضرورية للأدامة.

وهناك أزمة جدية لايدركها جنرالات مصر المبهورون بالصناعة العسكرية الأمريكية وبالأخص (طائرات الهليوكبتر الأباتشي الهجومية و طائرات ف-16 والدبابة الثقيلة من طراز أبراهم م1 أ 1 F-16 airplanes، Apache attack helicopters، amp; M1 A1 Abraham Heavy tanks ) *

فهذه الأسلحة التي أستلمتها مصر في التسعينات بموجب المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية البالغة 1 بليون و300 ألف مليون سنوياً قد يُلغيها الكونجرس الأمريكي في أي لحظة أذا ماأرتأت الأدارة الأمريكية أن هناك تهديداً لأسرائيل من جانب أي أدارة مصرية جديدة وخاصة بعد أخضاع الجبهة الشمالية الشرقية المحيطة لأسرائيل ( العراق الأردن وسوريا ) الى الأرادة الأمريكية.

لقد قدمت المؤسسة العسكرية المصرية الى الأدارة الأمريكية قائمة طلبات عسكرية الى سنة 2018،أما مسألة ماذا سينفذ منها فأنها تثير أهتمام الأوساط العسكرية وخبراء السلاح والأستراتيجية.

وبعد أن أصبحت المؤسسات العسكرية العربية شكلية ولاتخضع الى المهنية العسكرية وكون جل أهتمامها يقوم على الزيادة الشكلية لأفراد القوات المسلحة، فأن القائمين على هذه المؤسسات من وزراء للدفاع ورؤساء للأركان عليهم واجبات لم ينجزوها بعد وعليهم علامات أستفهام عديدة لأدراك مايفتقدونه من معرفة قواتهم وتحسن أطر الحروب الجوية الحديثة والتعرف على خبرتها العلمية بالحروب المعاصرة ودورها في حماية الطبقات الشعب وأرض الوطن قبل تقديمهم الميزانيات الروتينية السنوية الضخمة لقوائم المشتريات العسكرية والأسلحة والتي عادةً ما تصدأ قبل أستخدامها، أو تقع في أيدي المليشيات وأوكارها، وأِن أستُخدمتها المؤسسات العسكرية فأنها لن تكون موجهة ضد أبناء البلاد وقمعهم.

شعوبنا العربية تقدس خدمة القوات المسلحة وتفهم دورها الطلائعي في حماية أرض الوطن ولكنها كانت ومازالت تحت رحمة من لايهمه دورها سياسياً أو مهامها عسكرياً. ودون الدخول بوحشية فكرية للتبرير(الفارغ المعنى) الذي يسوقه لنا وزراء الدفاع العرب وأركان حربهم ومايحملوه من نياشين ونجوم لامعة، يستطيع الأنسان العربي أن يضع مجموعة أسئلة، يستقرأ ويدل منها ماأوصلته أليه مؤسساتنا السياسية وكيف تلائمت مع رغبات مليشيات منذ أيام الحرس القومي في العراق عام 1963 الى اليوم وماجرى ويجري في ليبيا ومصر والسودان وسوريا واليمن في عام 2013. وبنفس الأدراك وبحسب ثقافته ووعيه السياسي ودرجة معرفته يستطيع القارئ أن يتلمس واقع هياكل المؤسسات العسكرية العربية الضخمة وبالأخص وزارات الدفاع ورئاسات أركانها ودرجة تخندقها مع أنظمة بالية تشتري و تُخزن السلاح والعتاد وتستورد لمختبراتها المواد الكيمياوية ليقوم المورد ذاته بأزالتها بقوة التكنولوجيا الحديثة ومراقبة المنظمات الدولية كما حصل ويحصل لدول البعث العربية.

أن أولى جرائم المؤسسات العسكرية العربية هو أنها غطت على جرائم الغرب الأنكليزي الفرنسي والأمريكي وبررت تدخله العسكرية بمسميات quot; التعاون العسكري quot; بحوار سياسي متفق عليه أتبعه قادتهم في السلطة السياسية وولائهم وخضوعهم لهم بصمت تام، ثم يأتي مبدأ quot;أختيار الكفاءاتquot; وتسليم أمور القوات المسلحة وتدريبها لأشخاص لايمتلكون أكثر من مهارة لعبة الدومنو والطاولة في المقاهي والنوادي الأجتماعية.
من ليبيا مروراً بمصر والأردن وسوريا والعراق اتبعت مؤسسات عسكرية وطاقم قياداتها أوامر خارجية من جهة وقوى أرهابية متمكنة داخلية من جهة أخرى ولاتوجد أجابة مستفيضة للعرض من تمكين هذه القوى وسيطرتها على مؤسسات عسكرية. فما هوالتاريخ العسكري المضئ ليتبؤ أهم مؤسسة عسكرية تحمي البلاد أشخاص تسيطر على عقولهم مايُملى عليهم؟

وحالياً، تُناقش مؤسسات بحثية الموضوع الآني quot; ضربة لسوريا أم ضربة للنظام السوري quot; ويصل بعضهم الى نتائج غباء ظلامية هذه الهيمنة وعدم التفريق بين التمرة والجمرة،فنحن كشعوب عربية نتشابه مع السلطة التي تحكمنا بتصرفاتنا الجائرة وطيش تفكيرنا البدائي، ونعزي أسباب فشلنا الى مذهب أو قومية ( شيعة، سُنة، قومية عربية أو كردية، قبلية،أسلامية أو علمانية ) مع رغبتنا كطبقة محكومة في التفريق بين همومنا الشعبية وقيادات المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية، كمن يريد أن يُميّز بين الأشجار المثمرة والأشجار الضارة.

قيادات الفكر السياسي التي عاشت في الغرب الأمريكي، كما عشته شخصياً وعملياً، أن المؤسسات العسكرية في الدول الثيوقراطية والدكتاتورية تُترك خارج السيطرة وتتفق مع كل قرارات القيادة السياسية في خضوع تام، من فرض الأحكام العرفية والمحاكم العسكرية كما هو الحال في مصر الى أستخدام الطائرات الحربية والمواد الكيمياوية ضد أبناء بلدها دون تردد أو رفض طيش السلطة كما هو الحال في العراق واليمن وسوريا وليبيا ومصر في سيناء، وهي تُدرك أن مايجري في سوريا كان قد جرى في العراق بشكل شبه مطابق. ثم تأتي تأكيدات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري لأحمد الجربا قائد المعارضة السورية ورئيس أركان مايُعرف بالجيش السوري الحر سليم ادريس على أن السعي لابرام اتفاق مع روسيا حول تجريد الرئيس السوري الأسد من الأسلحة الكيمياوية وتجريد الجيش العربي السوري وتدمير مخزونه من احتياطات مخزون السلاح الجوي السوري وتجريد القطعات الأرضية مما تملكه من دبابات ومدفعية ثقيلة وناقلات جنود مدرعة، سيخدم سوريا لتكون على المدى البعيد الغير منظور (حرة وديمقراطية) ولكن الحقيقة أنها ستكون الدولة الخامسة المحيطة بأسرائيل والسائرة بموجب أرادتها والخاضعة داخلياً الى مليشيات عسكرية لاتملك أي خبرة في حماية السيادة الوطنية.

الدول الموقعة على قرار منع أستعمال السلاح الكيمياوي ومنها الولايات المتحدة لم تنتهي من تنظيف مواقعها ومختبراتها منه، رغم التواريخ المُلزمة المقدمة الى المنظمة الدولية ومجلس الأمن بالذات. فالولايات المتحدة ملزمة بأزالة مواقعها ومختبراتها من هذه الأسلحة بحلول عام 2014. وأغلب الظن أنها ستحتفظ بخزين كيمياوي سري لعدم وجود رقابة دولية أو السماح لمفتشين التأكد من أتلاف الخزين. وعلى نفس الغرار فأن الخزين الأسرائيلي من الأسلحة الممنوع أستخدامها دولياً غير ملزم لها وتبقى خارج رادار الرصد الدولي.

أعلنت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف ان quot;كيري أوضح في اتصالين مع أحمد الجربا بأنه يسعى للحصول على التزامات محددة من جانب الروس تؤكد بأنهم مهتمين في ابرام اتفاق جدي وجدير بالثقة وقابل للتنفيذ من اجل معاينة وتأكيد وحماية، وفي الأخير تدمير احتياطات السلاح الكيميائي quot;عند الأسدquot;.

لقد مرت المؤسسة العسكرية العراقية بهذا الدور الضحل الهزيل بأتفاق قيادات المعارضة مع الولايات المتحدة حول تجريد العراق من أسلحته المدمرة وبحجة منعها من quot; يد صدامquot; وبتأثير الضغط الأسرائيلي المبرمج ( المأخوذ في الحسبان من بدايته الى نهايته) ثم وقوع المؤسسات العسكرية فريسة للغرب الأمريكي في عملية أمداد القوة العسكرية الجديدة بأسلحة متفق عليها.

وهنا يأتي دور المؤسسات العسكرية المترهلة الصامتة، دورها، نصحها، وطرق أرشادها للقيادات السياسية وابداء أهتمامها في نوعية الأسلحة وعدم جواز استخدامها ضد أبناء جلدتها وعدم التفريط بها وتسريبها الى أحزاب أسلامية وتجريد القوات المسلحة من مخزون أسلحتها، ودورها في ابرام اتفاقات جدية وجديرة بالثقة وقابلة للتنفيذ وحماية هذه الدول كالعراق وسوريا ومصر والأردن وليبيا واليمن والسودان والجزائر من تدخل أجنبي أستعماري يصب في صالح أسرائيل أو تغلغل مليشيات الى غرف عملياتها وأخضاعها لعملياتهم الأرهابية.

باحث وكاتب سياسي