قد يكون العنوان المتقدم صادماً لأنصار الثورات العربية في العالم العربي، وكذلك الأمر بالنسبة للشعوب التي ثارت للتخلص من الاستبداد والظلم من قبل أنظمة عربية متحالفة تقليدياً مع الغرب، ومن تحت الطاولة متواطئة مع عدوهم التاريخي quot;إسرائيلquot;، ولا يفهم من الكلام المتقدم أنني من معادي موجة الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، لكنه سؤال قد يفرض نفسه بقوة في ظل حالة المراوحة التي عرفها العالم العربي بعد قيام عدد من الثورات فيه.
مفارقة الثورات العربية من وجهة نظر غربية، قد تتلخص في محاولة دمج quot;إسرائيلquot; كشريك استراتيجي أمني لدول عربية كمصر والأردن، ومحاولة فرضها كحليف للسعودية ضد إيران، وهي مطامح ترغب الدولة العبرية في الاستفادة من معطيات التخبط الذي يصيب المنطقة.
غزو العراق عام 2003 والذي أدى إلى سقوط نظام صدّام حسين، أسفر عن إضعاف الأنظمة السُنّية في الشرق الأوسط (حلفاء أميركا التقليديين)، وتعزيز قوة العدو الرئيسي لأميركا في المنطقة (إيران). والآن بعد مرور عشر سنوات ربما نشهد في المنطقة نتيجة أخرى لا تخلو من المفارقة: ففي الوقت الحاضر على الأقل يبدو الأمر وكأن quot;إسرائيلquot; هي الرابح الوحيد الواضح من ثورات quot;الربيع العربيquot;.
قد يعترض أغلب الإسرائيليين على هذا التفسير، فقد أصبحت بيئتهم الإقليمية أكثر ميلاً إلى عدم الاستقرار ولم يعد من الممكن التنبؤ بها، وتازيدت التهديدات الأمنية بشكل كبير حول الكيان الإسرائيلي بعد سقوط أنظمة عربية كانت حليفة لكيانهم. ولم تعد أيا من الحدود الإسرائيلية الآن آمنة وخاصة الحدود الطويلة مع مصر. ولم يعد من الممكن التسليم بأي تحالف ضمني كأمر مفروغ منه. فكل السيناريوهات مفتوحة.
عودة الدولة البوليسية الأمنية في مصر، وانتشار الصراع على نحو شبه طائفي في سوريا، يجعل الحدود الشمالية والجنوبية في خطر محدق، لكنها في الوقت ذاته، تحول quot;إسرائيلquot; إلى واحة للديمقراطية والاستقرار في المنطقة، كما يحلو للكيان الهجين أن يصف نفسه، فالحديث عن استئناف عملية السلام مع السلطة الفلسطينية من غير الممكن أن يكون أكثر من مجرد ورقة توت يمكن من خلالها إقناع الحليف الأمريكي بتمرير مزيد من الوقت أمام الرأي العام العالمي بشروع quot;إسرائيلquot; في مفاوضات سلمية مع السلطة الفلسطينية.
الأمر الواضح الآن هو أن الشرق الأوسط سوف يكون مشغولاً للغاية بصراع داخلي يمنعه من الانشغال بالقضية الفلسطينية أو مسألة وجود الكيان الإسرائيلي. كما يبرز راهناً حالة من التعاون الواضح بين النظام الحالي في مصر مع quot;إسرائيلquot;. ولأن النظام الأردني، مثلا، يكافح من أجل البقاء في بيئة تعج بالتحديات، فإنه يحتاج إلى التعاون الأمني مع quot;إسرائيلquot;. والقوات الإسرائيلية والأردنية تعملان الآن معاً لتأمين حدودهما ضد تسلل المقاتلين من العراق وسوريا، في حين تتقاسم مصر وquot;إسرائيلquot; نفس الهدف في سيناء. وبالتالي فإن المفارقة التي تنطوي عليها الثورات العربية تتخلص في أنها أسهمت في دمج quot;إسرائيلquot; كشريك استراتيجي (لبعض البلدان) في المنطقة.
لا ينبغي استخلاص الاستنتاجات الخاطئة وتعميمها في الوقت الراهن، ولعل من الخطأ الاستعجال في ذلك، فربما أصبحت إسرائيل، أكثر من أي وقت مضى، شريكاً استراتيجياً رئيسياً لبعض الأنظمة العربية، أو حليفاً فرضه الأمر الواقع ضد إيران، ولكن هذا لا يعني أن جيران quot;إسرائيلquot; استسلموا من الناحية العاطفية لاستمرار وجودها بينهم. كما لا يعني هذا إن quot;إسرائيلquot; تستطيع أن تفعل ما تريد متى وحيثما شاءت. بل على العكس من ذلك، يتعين على الحكومة الإسرائيلية ألا تستخدم الاضطرابات في المنطقة كمبرر للتقاعس عن القيام بأي تحرك لحل الصراع مع السلطة الفلسطينية.
quot;المستنقعquot; الذي تتخبط فيه الشعوب والأنظمة العربية على حد سواء، قد لا يكون قادراً على تهيئة الظروف الملائمة للسلام والمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكنه كان سبباً في تحويل quot;الهدنة الاستراتيجيةquot; التي يفضلها العديد من القادة العرب إلى البديل الوحيد الذي يمكن تصوره. فمن غير الممكن أن يخوض العرب حرباً فيما بينهم وضد quot;إسرائيلquot; في نفس الوقت.
قد تكون quot;إسرائيلquot; من أكبر المستفيدين في الوقت الراهن من حالة التخبط والفوضى التي تعم العالم العربي والثورات العربية في سعيها للتغول على الفلسطينيين عبر توسيع مستوطناتها وتمددها على الأراضي الفلسطينية، كما تبدو حكومة بنيامين نتنياهو عازمة على القيام به، لكن على الشعوب العربية التي ثارت على أنظمتها المتواطئة مع الكيان الغاصب لأعز أراضيهم (فلسطين) وعدم الانشغال بالفوضى والشؤون الداخلية التي تفتحت جنباتها بشكل غريب ومبالغ فيه أمام الأنظةم التي قادت الثورات العربية أو تولدت عنها، ما يحرم الكيان الإسرائيلي من أي غنائم قد يتوهم أنه قادر على الحصول عليها.
... كاتب وباحث