أما الشهادة الأولى، فهي شهادة الجنرال الأميركي كيسي، الذي كان في العراق عند انفجار الحرب الطائفية في العراق عام 2006. أكد الجنرال من باريس قبل شهور بأن إيران كانت من وراء مخطط تفجيرات سامراء التي تبنتها القاعدة، والتي كانت الإشارة لإشعال تلك الحرب، التي قتلت وجرحت وهجرت مئات الآلاف، والتي لا تزال جراحها مثخنة، وتفعل فعلها الغادر. وقال كيسي إنه أخبر المالكي في حينه بالمعلومة. وقد رد الأخير بأن ذلك لم يحدث. وانتظر البعض أن تكون تصريحات كيسي ملفقة، ولكن توقعاتهم اصطدمت بالحقيقة القاسية. وعلاقة إيران الفقيه بالقاعدة قد ترسخت بعد سقوط دولة طالبان في أفغانستان، وتحولت إيران إلى الملاذ الآمن لقيادات ونشطاء القاعدة وعائلاتهم، ومنها عائلة بن لادن نفسه. وأكثر العراقيين يعرفون أيضا أن الزرقاوي، الذي نشبت الحرب الطائفية في أيام جرائمه، كان يتنقل بكل حرية بين العراق إيران. الصحافة الديمقراطية العراقية نفسها أهملت التعليق على تلك الشهادة الخطيرة، ولم نقرأ [ حسب مطالعاتنا وهي ليست شاملة] لكاتب ديمقراطي أو يساري من عالج الوضع العراقي الراهن بالاستشهاد بتلك الشهادة.
أما الشهادة الثانية، فهي تنشر للتو في بغداد. نشرها موقع quot;أسرار الجالية العراقيةquot;، وأعادت نشرها صحافة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. وإليكم مختصر الشهادة كما نشر يوم 1 أكتوبر 2013 :
quot; كشف موظف في السفارة السورية ببغداد أمس بأن السفير السوري السابق نواف الفارس كان يشرف شخصيا على تفخيخ السيارات داخل مبنى السفارة السورية في بغداد. وقال الموظف لموقع quot;أسرارquot; بان الفارس كان يشرف شخصيا على تفخيخ السيارات ليلا. وكان شخص سوري يراجع السفارة بذريعة صديق السفير، إلا أنه اتضج فيما بعد بأنه مهندس التفخيخ، حيث يقوم صديق السفير بتفخيخ وشراء السيارات ذات الأرقام السوداء [ سيارات الفحص المؤقت ]. وحسب الموقع الذي نقل الخبر، فإن أكثر من 100 سيارة خرجت من السفارة السورية وهي مفخفخة وانفجرت في بغداد.quot;
هل هذا غريب عن نظام الأسد الذي يدافع عنه حكام العراق، ويشاركون في حربه؟ ألم يكن معروفا، عراقيا وعالميا، بأن جميع الإرهابيين القاعديين، الذين تسللوا للعراق منذ سقوط نظام صدام، قد عبروا من الحدود السورية، وبعلم ومساعدة الأجهزة السورية؟ فهل نستغرب مفخفخات سفارتهم؟ بل، وهل نستغرب إن نشرت ذات يوم شهادة مماثلة عن مئات المفخفخات التي صدرتها سفارة طهران في بغداد لسفك الدماء، ونشر الرعب والفوضى والكراهية الطائفية- وذلك دون تفرقة بين شيعة او سنة أو مسيحيين وصابئة مندائيين وعرب وكرد وتركمان؟ ألم تعامل السلطات الإيرانية في حيته أكثرية المهجرين الشيعة لإيران بكل عنصرية؟ وهل ليست هي من ينكل بالمناضلين الشيعة في إيران نفسها، وفي عام 1988 وحده أعدمت 30000 من السجناء السياسيين اليساريين ؟
وأما الشهادة الثالثة، التي أشرنا إليها مرارا والتي كان يجب على الصحافة الديمقراطية والعلمانية العراقية أن تستند إليها في فضح سياسات الحكام ولتعبئة الجماهير، فهي شهادة القاضي منير حداد، الذي لا يكن خصومة ما تجاه المالكي. ففي 19 يناير 2013، وصف منير حداد ما يقترف في السجون العراقية بquot; جرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي.quot; وقال حداد، الذي كان عضوا في المحكمة الجنائية التي حاكمت صدام حسين، quot;إن السنة العراقيين يتعرضون لظلم يفوق ما تعرض له الشيعةquot; في عهد نظام صدام. وأضاف: quot; أنا شاهد على بعض تلك الجرائمquot;، وأنه أخبر بها المالكي. وقال إن ضباط الأمنquot; يبتزون المعتقلين ويجبرونهم على الاعتراف بجرائم لم يقترفوها من خلال تهديدهم باغتصاب أعراضهم وجلب نسائهم واغتصابهن أمامهم في السجنquot;- نفس الممارسات الفاشية السابقة.
لو جمعنا هذه الشهادات الثلاث، وربطناهم بالكثير من الوقائع والحقائق والشهادات الأخرى، لما كان صعبا أن نستنتج أن في مقدمة الأطراف من وراء تدهور الوضع الأمني في العراق، والمفخفخات الجماعية اليومية، واستمرار الضغائن الطائفية والقتل على الهوية، هما النظامان السوري والإيراني، وكذلك الأجهزة والقوات الحكومية نفسها والسياسات الطائفية للحكومة، وأن النظامين المذكورين -بوجه خاص - يتحملان مسؤولية أساسية عن تسلل القاعدة للعراق واستفحال نشاطاتها الإجرامية والدموية. ولهما هما أيضا، مع الإهمال الدولي، دور كبير في تصاعد نفوذ القاعدة بين كتائب المعارضة السورية المسلحة، والتي توجه رأس حربتها للقوى السليمة في الجيش الحر، وتسئ لسمعة المعارضة الوطنية بممارساتها الدموية والظلامية تجاه المواطنين. وهذه الحقائق المرة لا تعني نفي مسؤولية جهات أخرى، خليجية وتركية وغيرها.
الغرض من هذه الوقفة أمام الشهادات الثلاث المذكورة التعبير عن الاستغراب لعدم تركيز الكتاب الديمقراطيين العراقيين عليها عند معالجة الوضع العراقي المأساوي، مع أن ذلك مفيد وواجب لتوعية المواطنين، ولشحذ إرادات النضال السلمي المشروع. ونقدنا أيضا ينسحب على الصمت quot; الذهبيquot; عن جرائم الحكومة والمليشيات الشيعية لتابعة لإيران بحق اللاجئين الإيرانيين في أشرف وليبرتي، ومنها خطف عدد منهم لتسليمهم للجلاد الإيراني. وأؤكد ثانية بأن أية حساسيات أو خلفيات وخلافات سياسية وأيديولوجية لا تبرر عدم المبالاة هذا بانتهاك حقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية لمجرد أن لبعضنا تحفظات على ضحايا عزل يبادون بدم بارد لترضية نظام الفقيه! ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الكاتب التقدمي المعروف،الصديق الدكتور كاظم حبيب، لم يتردد عن إدانة هذه الجرائم. وهو مثال جدير بالاقتداء.