الجزء الأول

القوى التي سيطرت على الثورة السورية، بدءً من مجموعات في المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني، وقسم من المنظمات التي تشكلت تحت أجندات خارجية متنوعة، وأغلب الأحزاب السياسية التي كانت مخترقة من قبل السلطة الشمولية بكليتها، والتي تعتبر ذاتها معارضة اليوم، مع القسم الأكبر من المعارضة الداخلية، كهيئة التنسيق، والتي نسميها معارضة السلطة للسلطة، وبعض الشخصيات التي أبرزتها قوى الأمن الأسدية، وأغلب التيارات والمجموعات العسكرية، الغارقة في الأبعاد الدينية الشاذة، التكفيريين منهم أو الذين يتبعون حزب الإخوان المسلمين، أو دول تحت شعارات الإسلام السياسي الليبرالي، مضافة إليهم تلك المجموعات التي خلقتها وغذتها السلطة ذاتها، التي تحارب النظام أو التي تتدعي محاربتها، كل هؤلاء شاركوا، وعلى مدى سنتين وأكثر، في عشرات المؤتمرات، والمئات من جلسات النفاق في الأروقة السياسية والدبلوماسية، ولم يبرزوا يوماً مفاهيم الثورة السورية، ولم يبحثوا في أبعادها الفكرية، ورفضوا ظهور أية مطالب ثورية حقيقية في بياناتهم أو محاضر جلسات مؤتمراتهم، كما عزلوا الشباب الثوري عن الوجودين العسكري والسياسي، شاركوا معاً بتخطيط على تقزيم الثورة، معظمهم كانوا يدركون أبعادها ومفاهيمها، لكنهم قزموا الغايات التي خرج فيها الشباب من أجلها إلى الساحات لمصالحهم، فالأغلبية منهم أصحاب مصالح وأجندات ذاتية مقصودة وحرفوا معاني إسقاط النظام، باستثناء القلة، وهؤلاء حوصروا في الزوايا المعتمة، فالأغلبية سخروا الثورة من أجل تغيير السلطة الأسدية الحاضرة، فكانت هذه من الأسباب التي انحرفت فيها الثورة، وأوصلت بسوريا الوطن إلى ما هي عليه، وأبقت على الأسد حاضراً حتى اليوم مسيطرا طاغياً، وجرأته ليصرح مؤخراً بأنه مستمر في السلطة تحت البند الثاني من الدستور الذي غيرا فيه الأب والابن عند كل ذكرى ميلاد لهما.

تشكيلات متنوعة من الأحزاب الانتهازية وغيرها رافقتها مجموعات عسكرية تحمل مفاهيم تيارات دينية أو قومية عنصرية غرقت في الأوبئة الفكرية والثقافات الشاذة عن الثورة السورية، الثورة الحاضرة، لم يختلفوا في كثيره عن سوريا الثورة الماضية الغارقة في الفساد، رافقتها أو تزعمتها شخصيات انتهازية ومنافقة، تكالبوا على المسيرة، كل طرف ينهش منها، حسب غاية أو أجندات معينة، هللت لها السلطة في كثيره وساندت الأغلبية منهم بكل ما تعرفه من دروب الشر.

كما وسكتت عن قناعة ورضى معظم المعارضة الخارجية والداخلية، بكل أطيافها، عن الانتهاكات التي تعرضت لها الثورة من الداخل عن طريق التيارات التكفيرية بكل أنواعها، خاصة تلك التي أسندت في كثيره بمفاهيم دينية شاذة، ظهروا منذ البدايات بأسماء تاريخية طوباوية لا تمت بصلة إلى معاني ومفاهيم الثورة، والتي لم تبخل السلطة في تغذيتها، فاستمروا في انحرافاتهم عن مسار الثورة، إلى أن ظهرت محاولات نقل سوريا من دكتاتورية إلى أخرى أكثر بشاعة، رغم صرخات العديد من الأقلام الحرة، ونداءات الشباب الثوري.

كل ذلك أوصلت المعارضة إلى طرق مسدودة، فلم تعد تجد مجالاً إلا البحث عن مخرجاً ما فكان ظهور quot;إنذار القيادة المشتركة للجيش السّوري الحر وقوى الحراك الثوريquot;.
وبيان الائتلاف، متضمناً نداءات غريبة عن مسيرة المعارضة، يطالبون فيها كل التيارات الدينية العسكرية والأطياف السياسية الغريبة عن الثورة، الخروج من الوطن، وهو المطلب الذي كان يجب أن تتبناه المعارضة الخارجية منذ بداية تكوينها، لكن انتهازية القوى المسيطرة على المجلس الوطني السوري وعلى الائتلاف الوطني السوري جعلتهم يرون المستقبل حسب غاياتهم بل وخططوا للقادم بكليته من اجل أجنداتهم، وبسبب استمرارية سيطرة تلك القوى الانتهازية على الائتلاف، فالنداء بكليته سيبقى ناقصاً مقارنة بمفاهيم الثورة، وسوف لن تؤدي بسويتها الحالية إلى نجاح. لأن الثورة السورية مرت بمراحل متعددة، والتغيرات التي حصلت في أساليب الصراع من الجهتين، تحتاج إلى مواقف صارمة وتبني مفاهيم الثورة بشكل أدق وأوسع، فمراحل الصراع التالية أزاحت الثورة وجرفتها عن مسارها واستفادت منها السلطة الحالية في كثيره:

1- لم تمثل أغلبية المعارضة الثورة ومفاهيمها يوماً، خاصة بعد عزلهم للشباب الثوري من الساحات العامة وبعد تغييرهم لمسيرتها السلمية إلى الصراع العسكري، غطوا على مفاهيمها وألغوا الغاية الرئيسة للثورة، وضعوا مكانها غايات ذاتية غارقة في الانتهازية، تجمعت معظمها للحصول على السلطة وليس تغيير النظام بكليته.

2- شاركتها السلطة السورية، فهيأت الأجواء وساعدت في كثيره على نقل الصراع السلمي إلى العسكري، تمكنت من نقل المعارك إلى ساحات المسيرات السلمية، وتنوعت في مراحل الصراع كلما خفت حدته، إلى أن وصلت إلى استخدامها للأسلحة ذات التدمير الشامل.

3- تمكنت السلطة من نقل الصراع الثوري إلى صراع عسكري، وبسهولة، وأغرقت فيها المعارضة بكليتها فاتجهت إلى صراع عسكري غايتهم الأساسية المناصب وأجزاء من السلطة، ونسوا النظام وسقوطها.

4- أرفقت السلطة هذه المراحل بتغييرات في المنهج السياسي والدبلوماسي ضمن الوطن وفي العلاقات الدولية، ولا شك كل ذلك أسندت بمساعدة استراتيجية من روسيا وايران، فتمكنت سلطة بشار الأسد من الحصول على الكثير من النجاحات في المجالين، الوطني والدولي، ومعظمها ليست لقدراتها بقدر ما كان للضعف الذي رافقت المعارضة الانتهازية والشخصيات المنافقة ضمنها، وللقوى العسكرية الموبوءة فكراً، والمحرفة لمفاهيم الثورة، والتي لم تقف يوماً على أبعاد مفاهيم شعار أسقاط النظام، والآتية بثقافة أفسد من ثقافة البعث ولا تقل دونية عن سلطة الأسد الحاضرة، فالأول يمثل التيار الديني الغارق في الأجندات الدينية الشاذة، وأغلبيتهم ظهروا على الساحة السورية بمساعدة السلطة نفسها، والثاني يمثل التيار القومي العنصري الفاشي، والذي أوصل بالشعب السوري إلى حد قيام الثورة ضد مظالمه، والتي لا يتقبلهما الشعب السوري، لنفيهم للمفاهيم التي ثار من أجلها الشباب السوري الثوري.

يتبع.....