عندما تتحول الأسود الشرسة الى نعاج مطيعة:

على هامش أحدى الفعاليات في لندن التي اجتذبت أكثر من مائة شخص من عرب وغير عرب عرّفني أحدهم على رجل أعمال سوري يزور لندن وله أشغال في لبنان وسوريا وشراكات تعاون مع رجال أعمال في بريطانيا. بعد المجاملات الروتينية والشرق أوسطية تطرقنا للموضوع السوري والملف الكيماوي وتهديدات اوباما وموافقة النظام على التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية.

قال رجل الأعمال: يا صديقي (رغم اني لم أعرفه لأكثر من نصف ساعة) quot;بشار الأسد لديه الاستعداد التام ان يخلع ثيابه ليبقى في السطلةquot;. قلت له مازحا quot;كونك رجل أعمال سوري ناجح كنت أظنك داعم للنظامquot;. قال quot;المصلحة والظروف لها أحكامquot; ثم ناولني البزنس كارد أو بطاقته الشخصية محذرا أن لا أذكر اسمه ولا أفصح عن هويته اذا تطرقت للحديث عن الموضوع.

منذ ذلك اللقاء قبل أقل من شهر في ايلول الماضي قرأنا وسمعنا الكثير عن الاسباب التي دفعت النظام بقبول القرار الأممي بتفكيك السلاح الكيماوي وتدميره.

الانصياع السريع:

مما يثير الشكوك هو السرعة الفائقة التي وافق فيها النظام على تنفيذ هذا القرار. وكذلك الحماس المنقطع النظير من موسكو وطهران لموافقة النظام على قرار التخلص من أسلحته الكيماوية.

السبب الحقيقي في الخنوع والانبطاح هو الخوف من الضربة العسكرية المحتملة والرغبة في التشبث بالسلطة رغم العنتريات والتهديدات. الدرس الذي تعلّمه السوريون خلال العقود الأربعة الماضية ان نظام الشعارات القومية يتراجع بسرعة أمام أي تلويح بالقوة العسكرية من الخارج. فقد تراجع حافظ الأسد عام 1998 عندما هددت تركيا سورية بالحرب إذا لم تسلّم عبد الله اوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني، وهرعت دمشق بتسليمه. انسحب الجيش السوري من لبنان بطريقة مخزية أمام التهديد الدولي عندما اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وفيق الحريري عام 2005 أي نفذ بيومين انسحابا من احتلال استغرق 3 عقود.

العنتريات فجأة تتحول الى نعجيات:

والغريب في الأمر ان نظام العنتريات اللفظية الذي هدد كل من حوله بالويل والحديد والنار والخراب والدمار فجأة يتحول الى حمل وديع مطيع. فبعد كل التهديد والوعيد يتوسل للغرب بأن لا يوجه ضربة عسكرية لنظامه من خلال رسائل علاقات عامة موجهة لنواب البرلمانات الأوروبية واعضاء الكونغرس ألأمريكي. ثم بسرعة البرق يوافق نظام دمشق على التخلي عن مخزونات الترسانة الكيماوية ليتجنب ضربة عسكرية قد تؤدي الى سقوطه.

يحق للمواطن العربي والسوري أن يتساءل أين ذهبت التهديدات والعنتريات الصادرة من شبيحة وقادة النظام؟. لماذا تم تأجيل ابادة اسرائيل بالاف الصواريخ؟ وقبل الانبطاح بأيام قليلة انهالت الشتائم والتحقيرات على الرئيس اوباما بالاطنان من افواه شبيحة الفضائيات الموالية لنظام المجازر.

ألم يصرخ احد المهرجين على الفضائية السورية قبل الانبطاح بأيام قليلة بأعلى صوته ومنفعلا:
quot; إذا حاولت أمريكا ضرب سورية، فالمقاومة ستأخذ الجليل وستغلق إيران مضيق هرمز وصواريخنا جاهزة، وقد قررت القيادة العسكرية أن تبيد quot;إسرائيلquot; إذا تعرضت سورية لأي هجمات.quot; هل يصدق أحد هذه المبالغات الزائفة؟ ألا تزال الجولان ترزح تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ 1967 ولم يتم استرداد قدم مربع واحد. ثم نسمع التهديد التالي من شبيح آخر على قناة المنار quot;إن كل طلقة تطلق على سورية سيُرَد عليها بعشرة آلاف صاروخ على المدن الفلسطينية في اليوم الأول فقطquot;.

فسّر الاعتذاريون واليساريون المؤيدون للدكتاتوريات التحول من أسد شديد الزأر والهدر الى نعجة طيعة سهلة الانقياد بتكتيك سياسي ومناورة ديبلوماسية وفهلوة استراتيجية ذكية.

مجرم حرب رغم الانبطاح:

ثم يخرج علينا الرئيس السوري بشار الاسد ذاته ليحذر من خطر اندلاع حرب اقليمية في حال توجيه ضربة عسكرية غربية الى بلاده. ورغم انبطاحه واستعداده لخلع ثيابه يوجه التهديدات لأردوغان لأنه ضمن من روسيا استبعاد أي اجراء عسكري في المرحلة الحالية ضده فيشعر بالأمن والأمان المؤقت. انحسار الضربة الأمريكية ضد الآلة العسكرية للنظام بعد المناورات الدبلوماسية الأمريكية الروسية والتي أدت في النهاية الى صدور القرار الأممي 2118 منحت النظام فرصة لتنفس الصعداء ومواصلة حرب الابادة ضد الشعب السوري وليس ضد حلفاءه الارهابيين الذين خانوا الثورة ويقدموا خدمة جليلة لبشار الأسد. هنا اتحدث عن جبهة النصرة وداعش وغيرها من العصابات التي اخترقها النظام والتي لا تعمل تحت راية الجيش السوري الحر. ورغم هروب النظام السوري من العقاب في المرحلة الحالية الا ان بشار الأسد سيبقى مجرم حرب في نظر غالبية الشعب السوري والعالم.

فقد سئم الشارع العربي من تهديدات طغاة سابقين معتوهين على شاكلة بشار الأسد من صدام حسين والقذافي سابقا وعمر البشير لاحقا.

وقبل عامين سمعت رجل ليبي يقول على احد الفضائيات اثناء الثورة الليبية quot;ان القذافي على استعداد ان يتخلى عن نصف الانتاج النفطي الليبي ويمنحه لدول الناتو مجانا بشرط أن يبقى في السلطةquot;. ويجب القول ان انبطاح القذافي وتخليه عن برنامجه النووي المزعوم لم ينقذه من غضب الشعب الليبي. وبعد التنازل عن السلاح الكيماوي ماذا تبقى لبشار الأسد أن يتنازل عنه سوى الملابس التي يرتديها؟.

لندن