العقل من المقدسات التي لا تقبل النقاش في الإسلام، ففي الحديث القدسي: quot; أن الله عز وجل لما خلق العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال تعالى: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، بك أثيب وبك أعاقب quot;، فالعقل هو المحور إذن، والمعيار الذي تدور حوله فكرة الجزاء.

من هنا لم يضع الاسلام حاجزاً أمام العقل عند ممارسته لعملية التفكير، ولم تكن هناك حدود تمنع الإنسان من التفكير فيها، مهما كانت تلك الحدود، فالعقل هو الضمان الوحيد لعملية التقدم البشري.
من وضع حدوداً للتفكير هم أولئك الذين تقنعوا بالدين، ونصبوا أنفسهم قيّمين عليه، والحال أنهم لا يفقهون من الدين غير اسمه، ولا يعرفون سوى رسمه، وإلا فحتى صاحب الرسالة لم يكن من النمط الذي يؤطر للعقل ما يفكر فيه.

من الخشب المسنّدة، الذين يعتمرون العمائم دون علمٍ، من يعتاش على جهل الناس، فوعي الناس يتضارب ومصالحه الضيقة، وبالتالي عليه أن يغلق دكانه لو فكّر الناس، فلابد إذن من أن يقف حائلاً دون ذلك، ما كلّف الثمن.

قبل ما يزيد على الخمسة عشر عاماً زرت أحد البلدان الاسلامية، حضرت درس واحد من علمائها، قلت له: وُجّه لي السؤال التالي:
لو أن أشخاصاً شهدوا على قتل أحدهم لآخر، والنبي يعلم أن الشهود كاذبين، فهل يحكم بناء على علمه الشخصي، فلا يقتص من الرجل، أم يعمل بظاهر الأمور ويقتص منه، فقال لي بحدة: لماذا تعلمون الناس أن يسألوا أسئلة كهذه؟ علموهم الصلاة والصيام وانتهى الأمر.

قلت له: سيدي.. نحن نعيش في عصر العلم، عصر العقل، والناس تعرف الصلاة والصيام جيداً، ثم أردفت: لو أن انساناً يريد اعتناق الاسلام، وتوقف اعتناقه لدينك على حلّلك لهذه الشبهة كيف ستحلها له؟
أجابني: للجحيم.. ليبقى ستين عاماً لا يدخل الإسلام..

قلت له: أنا في ذهني هذه الشبهة فحلَّها لي، قال لي: حسناً.. إذا كانت الشبهة لديك سأحلها لك إذن، وبقيت أنتظر أمامه لمدة عشر دقائق تقريباً لم ينبس ببنت شفة، فشكرته وقمت عنه.
هؤلاء لا يريدون للناس أن تفكر، يريدوننا أن نعلم ما ينتقونه لنا فقط، أن نرى الدين من منظار مصالحهم الشخصية فحسب، يريدون منا أن نكون أحصنة طواحين ندور في فلكهم، ولا نرى ما حولنا، لأن رؤيتنا لما حولنا يستتبع الكثير من الأسئلة، وهذا ما لا يريدونه إذ أنه يشكل ناقوس خطرٍ على مصالحهم.

الله لم ينتقم من مشكك، ولا من عاصي، ولا من أي أحد مالم ينقم الإنسان هو من نفسه.
في زمن أحد أنبياء بني اسرائيل كان هناك عابد انقطع إلى ربه، وكان يقرأ الدعاء التالي، على الدوام، حين يناجي ربه quot; اللهم أنت عبدي وأنا ربك quot;.
قضى حياته على ذلك، والله يسمعه كل يوم، سمعه أحد أنبياءبني اسرائيل فقال له: أنت تكفر، فضج الرجل بالبكاء.

الله عاتب النبي قائلاً: لقد قضى عمره يناجيني بذلك، وأنا مستأنسٌ به، فلماذا صنعت به ذلك؟
الله لم يوبخ الرجل، ولم يعاتبه، بل كان مستأنساً بمناجاته.

الله خلق العقل وجعل له من الآفاق ما لا يعلم حدوده سوى الله خالقه، فلا تدعوا عقولنا تستمع لصوت المتحجرين.
وانا أختم مقالي هذا وصلني تعليق أحدهم على مقالي يقول: quot; هل ممنوع علي ان افكر، و هل احد يستطيع ان يمنع عقله من التفكيرquot;؟
وأنا أقول له: كلا.. ليس بمقدور أحد أن يقف حائلاً بينك وبين ما تفكر، مادام رب العقل لم يحدد لك ذلك.