الجزء الثاني

معظم المعارضة الخارجية وخاصة الذين يمثلون الائتلاف الوطني بقيت غارقة في انتهازيتها وتحريفها لمفاهيم الثورة، وغاية الثورة، فالعديد من أعضائها يحملون ثقافة لا تقبل مفاهيم تغيير النظام الحالي، وبعض الأكاديميين والمثقفين الذين يدركون الأبعاد، فضلوا عدم المواجهة وجانبوا السكوت والسير مع التيار العام في المعارضة، والبعض الآخر منهم سكت لغايات انتهازية، ومنهم من أظهر عن خلفياته الثقافية بشكل فاضح، فلم يتهاونوا بالتبيان عن أفكاره وعن ثقافته الشمولية والمستبدة من مفاهيم البعث أو ذات الخلفيات التكفيرية، ولانتهازيتهم لم يغادروا ساحة المعارضة، لانهم في معظمهم ملغون من السلطة، وانجرفوا مع المعارضة بسببها، وإلا فمكانهم هناك حيث الثقافة الشمولية العنصرية والملغية للأخر، الائتلاف سوف لن تكون معارضة حقيقية وسوف لن تمثل الثورة، إذا لم تتبنى مفاهيم الثورة بكليتها، والتي تطالب بتغيير النظام وليست السلطة، وهذا يعني تغيير الثقافة العنصرية الحاضرة، مرافقة مع تغييرات في الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربية وغيرها التي زرعها نظام الأسد وعلى مدى نصف قرن من الزمن.

فالنداءات أو المطالب التي ظهرت من القيادة المشتركة للجيش السوري الحر ومن الائتلاف تحتاج إلى إرادة وفكر شبابي نقي متفتح على الحضارة الديمقراطية بكل أبعادها، ولأن الثقافة المجتاحة الأن ساحات الوطن، رغم محاولات التعتيم أو هدمها من قبل الطرفين، السلطة والمعارضة الانتهازية، نرى أن العديد من الشخصيات يتساقطون خلال مسيرة الثورة، لأنهم لا يملكون قدرة التخلي عن الثقافة الشمولية التي تغذوا منها ويؤمنون بها، وهم يشكلون الأغلبية في الائتلاف كما ذكرنا وغيرها من المعارضة العروبية ضمن الثورة السورية، كل مجموعة ظهرت بطريقة مغايرة، فلا يمكن لهؤلاء أن يمثلوا مفاهيم الثورة بل ولا يمكن أن يتماشوا مع أبعادها فكراُ أو فهماً وهم بعيدون عن الاقتناع بها، يلبسون الثورة لمصالح أنانية مترامية، وأولهم السيد هيثم المالح وآخرهم حتى اللحظة الدكتور كمال اللبواني، فكتاباته وتصريحاته الأخيرة تفضح قناعاته الشخصية المشبعة بثقافة السلطة الشمولية رغم محاولاته تغطيتها بمنطق استراتيجية الثورة، وتكتيكها الحاضر، تصريحاته المتنوعة تبين عن الخلفية الثقافية السياسية التي يؤمن بها والتي هي في كل أبعادها مغايرة للسابق المبان، فهو لا يزال مقتنعاً بالإبقاء على الثقافة والهوية الحاضرة وهي مخلفات البعث بكليتها، ويعلم بانها ثقافة النظام، ويدرك مثل غيره الذين انقشعت عنهم القناع أن أول شعار للشباب الثوري كان أسقاط هذه الهوية العنصرية والثقافة الفاسدة، لكن الانعتاق فيها لديه وللذين سبقوه بالتصريحات الفاضحة خير من القادم الجديد، كما ويفضل الحاضر الاجتماعي الاستبدادي على جغرافية وطن ينتمي إليه الكل باختياره وإرادته وعن قناعة، وغيرها من المفاهيم التي تتعارض ومفاهيم الثورة السورية.

معظم الشخصيات الذين فصحوا عن مفاهيمهم، بينوا على عنصرية واضحة حتى ولو كانوا يغلفونها بغطاء متطلبات الثورة، وأظهروا على أنهم لايزالون يتشربون من خلفيات الثقافة البعثية، ويتبنون الثورة اسماً، يجاهدون للحفاظ على أولويات النظام الحالي، والتي تلائم ثقافتهم ومفاهيمهم أولاً ولا يملكون القدرة على التخلي عن أجنداتهم الذاتية على حساب القادم الثوري ثانياً، فمن جملة ما يرفضونه:

1 ndash; يرفضون أن تمس نوعية الوطن في ذاتها الأسدية البعثية، يريدونها كما هي عليه السلطة الحاضرة.

2 ndash;ألا تمس الإيديولوجيات الحاضرة، مثل المفاهيم التي غرزتها البعث، كعروبة سوريا المطلقة، الإسلام في كل أبعادها ضمن الدستور، سيطرة اللغة الواحدة، المركزية المطلقة في نظام الحكم، التقسيمات الإدارية ضمن الوطن بأبعادها الملغية لكيانات قومية ومذهبية رئيسة فيها، إلغاء التنوع الديموغرافي القومي في الوطن، وغيرها، التي جعلها نظام البعث إيديولوجيات مقدسة لا يمكن المساس بها.

3 ndash; يرفضون النظام الفيدرالي بكل أشكاله لسوريا المتنوعة ديموغرافيا ودينيا ومذهبياُ، لا يقبلون الخروج من المفهوم الاستبدادي للسلطة المركزية، بالأغلبية السنية، ذات البند الدكتاتوري في الدستور، والذي يفرض عروبة وإسلامية وسنية الحكم.

3 ndash; يرفضون التغيير في طرق ومناهج التعليم بكل أنواعها.

4 ndash;يرفضون الكيانات السياسية غير العربية، والتي لا تمر من خلال نمط مركزية السلطة أو إيديولوجية المفهوم القومي العروبي المطلق.

5 ndash; يرفضون منطق إعادة تكوين سوريا بجغرافية مغايرة لاستبدادية العنصر العروبي المطلق، ويحيطونها بكلمات الانفصال أو تقسيم الوطن التي استعملتها السلطة الأسدية ضد المعارضين من القوميات غير العربية للإبقاء على دكتاتورية المركز، مشيعين مفهوم الاتحاد الفيدرالي للوطن الكلي بعدمية فوائد النظام اللامركزي.

6 ndash; في الحقيقة النقاش على تغيير التكوين الحاضر لسوريا الأسد والبعث بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مرفوضة، ويجب ألا تمس، وهي من الأولويات التي اشتغلت عليها معظم أحزاب المعارضة والشخصيات العروبية التي تربت على ثقافة البعث والغارقة في الذات العروبية.

فالبيان الذين ظهر، رغم قوته وقربه من وطنية الثورة، ورغم الخلفيات والأجندات التي تقف ورائها ودفعتها لتظهر، كرد فعل للتيارات التكفيرية العديدة، وأولهما ربيبة النظام (داعش) والنصرة اللتين خدما ويخدمان السلطة الأسدية بكل الطرق، واللذين يرفضهما الشعب ورفضهم البيان كممثلين عن الثورة السورية في الداخل، إلا أنه (البيان أو الإنذار) جاء كتمهيد لفتح دروب عديدة لذاتها كمعارضة حقيقية، منها:

1 -تمثيلها في جنيف 2 والحصول على المساعدات الخارجية.

2 -الاستئثار بالسلطة القادمة والمتوقعة أن تتشكل في جنيف 2، والتي لا تحتاج إلى تغيير النظام.

3 -قطع الطريق عن قوى المعارضة الحديثة التي تظهر تحت مسميات جديدة أقرب إلى مفهوم الثورة وإلى الرأي العام الخارجي.

رغم كل الخلفيات التي تقف خلف البيان والإنذار، تبقى بنودهما ناقصة، فالمطالبة بخروج التيارات التكفيرية المسلحة وغيرها من سوريا، لا تكفي، ولا ترقى إلى طروحات الثورة ومفاهيمها، وستبقى كذلك ما دامت، لا تبحث في مفاهيم الثورة، ولا تضع تغييرات ثورية حقيقية لسوريا القادمة، وتبين عن التغييرات التي يجب أن تحصل في البنية الثقافية السياسية الاقتصادية للوطن القادم، والذي سيشترك فيها الكل عن قناعة وبدون إرضاخ، وما دامت لم تطالب القوى التي تسيطر على الائتلاف وهي الأحزاب الانتهازية والشخصيات العروبية الدينية المتشددة، بتغيير مفاهيمها والبدء بتغيير أجنداتها والتخلي عن مصالحها الأنانية وقناعاتها وثقافتها البعثية أو الغارقة في الإسلام السياسي، ولم تبين على أنها لا تريد أو لا تتقبل مفاهيم الثورة والثقافة التي ثار من أجلها الشباب الثوري، الذين طالبوا تحت شعار واحد حمل كل الأبعاد التي يجب أن تكون عليها سوريا القادمة، وهو أسقاط النظام.

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]