لم يكتف أوباما بالتراجع عن ضربة العقاب quot; الصغيرة جداquot; التي توعد بها النظام السوري، وإنما راح يكيل لجزار الشام ثناء بعد ثناء. ولعل الأخبار المتواترة عن اتفق روسي- أميركي لبقاء الأسد غير بعيدة عن الدقة. وبينما تهافت الرئيس الأميركي على لقاء عابر بروحاني في نيويورك، وراح يعلن مرة بعد مرة بأن أميركا لا تريد تغيير النظام الإيراني الدكتاتوري الشمولي، فإنه، ها هو ذا، يجمد جزءا مهما من المساعدات الأميركية لمصر بذريعة أنها، كما يرى، انتهكت الديمقراطية بعزل مرسي، مستعملا سلاح المساعدات للضغط والابتزاز. وعلى هذا النحو، فإن دكتاتورية نظام الأسد الدموية، وقتل أكثر من مائة ألف سوري واستعمال الكيميائي، ليست في وارد حسابات اوباما ما دام الأخير يعلن الموافقة على إتلاف الكيمياوي، وهو ما قد يستغرق أكثر من عام، مع احتمال التلاعب وتهريب كميات من هذا السلاح للعراق وحزب الله وإيران. فالديمقراطية وحقوق الإنسان والمثل والقيم الإنسانية العالمية، التي طالما كانت ترد على لسان الحاج حسين اوباما، غير مهمة عندما يتعلق الأمر بسورية ونظام الفقيه، ولكن إزاحة أعداء الديمقراطية في مصر هي مشكلة المشاكل في نظره. وبينما يقرر عدم تسليم مروحيات أوباشي لمصر، فالأخبار تقول باحتمال تزويد العراق بها مع أن جيشه غير محترف كجيش مصر، وغير محايد، بل هو جيش طائفي وquot; لملومquot; من المليشيات التي تدين بالولاء للمالكي وإيران- ناهيكم عن ضلوع الحكومة العراقية في حرب الأسد على شعبه.

المؤسف جدا أن دولة كبرى كالولايات المتحدة باتت تتخبط في سياسات خارجية مرتبكة ومتناقضة وساذجة، بحيث صارت تلهث وراء الدبلوماسية الروسية الخبيثة، وتقع في فخاخ بوتين الطامح لعودة روسيا كقطب رئيسي في عالم اليوم. يقول الأستاذ عبد الله المدني، وهو على حق، بصدد الموضوع الكيمياوي والموقف الأميركي:
quot; ولعل ما يثير السخرية ويدعو للرثاء أن الرئيس الأميركي لم يكتف بفشله واستغفال الروس له ولوزير خارجيته، وإنما راح يتشدق أمام الصحفيين خلال مقابلته لرئيس الحكومة الهندية quot;مانوعان سينغquot; في البيت الأبيض في 27 سبتمبر المنصرم بان قرار مجلس الأمن الدولي حول السلاح الكيمياوي السوري هو quot;انتصار هائل للمجتمع الدوليquot;... مضيفاquot; إنه لأمر طالما أردناه منذ زمن طويل.quot;. وهذا وحده يكفي دليلا أن اوباما، حينما توعد نظام الأسد بالعقاب وأرسل سفنه وحاملات الطائرات الأميركية إلى قبالة السواحل السورية، كان غير جاد ويستغفل العالم قبل أن يستغفله الروس ببراعة...quot;
القرار الأميركي الجديد عن مصر، وهو حقنة جديدة لتشجيع الإخوان، يستثني من حجب المساعدات ما يعزز القوة المصرية تجاه quot;الإرهابquot;. ولا شك انه يقصد سيناء. ولكن هل تراه يقصد أيضا التفجيرات في المدن المصرية هذه الأيام؟ وهل يستثني إرهاب الإخوان المسلمين المتواصل في المدن، وتعاونهم مع حماس والجهاديين في سيناء؟ أم يعتبر الإرهاب الإخواني نضالا سلميا من أجل quot;استعادة الشرعية الديمقراطيةquot;!!
نعم، هي بالتمام سياسة quot; صفع الحلفاءquot; ومغازلة الأعداء، التي سبق وأن شخصها المحلل تشارلز كرومر في أبريل 2009. وكان مما أشار إليه مبادرة اوباما حال توليه الرئاسة إلى مجافاة المملكة المتحدة، التي كانت، منذ الحرب العالمية الثانية، أقوى حليف للولايات المتحدة. وكانت الحكومة البريطانية قد أهدت الرئيس الأميركي بعد الانتصار على النازية والفاشية تمثالا لتشرشل وضعه الرئيس الأميركي عهد ذاك في مكتبه. وكان أول ما فعله أوباما إعادة التمثال إلى لندن رأسا، أي ليس حتى وضعه في مكان آخر داخل الولايات المتحدة. كما يذكر كرومر كيف تعامل أوباما بخفة وعدم لياقة وبلا دبلوماسية مع رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون. ثم التصريح الأميركي الذي أدان موقف بريطانيا في حرب الفوكلاند التي أشعلها غزو الأرجنتين لتلك الجزر. وجاء صفع الحلفاء هذه الأيام في الاتفاق الأميركي -الروسي دون استشارة فرنسا وبريطانيا. والقرار الجديد عن مصر، التي هي الدولة العربية الكبرى وكانت حليفة للغرب، هو إمعان في هذه السياسة قصيرة النظر، والمهووسة بدغدغة الإسلاميين والطبطبة على الطغاة والطائفيين في المنطقة. وإذ نرى أن الزعامة المصرية الحالية يجب أن تقابل هذا القرار بلا تشنج وبهدوء، فلا شك أنها قادرة، وبلا هذه المساعدات، على تجاوز مصاعب المرحلة الانتقالية وتنفيذ خارطة الطريق في السير نحو نظام مدني ديمقراطي علماني.
[ بينما يواصل البشير السوداني نهج القمع الدموي لكل صوت معارض، وبينما لا يزال مطلوبا للعدالة الدولية، ومع وجود قواعد لفيلق القدس في السودان وتهريب الأسلحة للجهاديين وحماس وغيرهم، فإن كل هذا لا يمنع أوباما من تعيين موفد خاص رفيع المستوى للسودان يقابل حكامه، مستهينا حتى بقرار المحكمة الجنائية الدولية، كما يستهين بقرارات القضاء الأميركي نفسه.]