بدلاً من أن تعترف المعارضة السورية التي تذهب من نكسةٍ إلى نكسةٍ آخرى، بفشلها الذريع في قيادة الثورة، وبدلاً من أن يراجع القائمون على شؤونها أنفسهم وسياساتهم التي يمكن لها أن تكون جهةً لكلّ شيء عدا السياسة، اختاروا هذه المرّة أن يهاجموا quot;عدوّاًquot; جديداً لسوريا ولثورتها، ألا وهو quot;نوبل للسلامquot; وكلّ من حولها من quot;النوبليينquot; من أهل السلام في العالم.

كان من الممكن أن أفهم معارضة نظامٍ ديكتاتوري كالنظام السوري، أو أيّ نظام شبيهٍ له، لquot;نوبلquot; وسلامها، بإعتبار أنّ الديكتاتور والسلام ضّدان متوازيان لا يلتقيان مهما أمتدا، أمّا أن تقوم معارضة كالمعارضة السورية، التي اكتوت ثورتها بنار الحرب الأهلية المجنونة منذ أكثر من عامين ونصف، بالهجوم على قرار منح جائزة quot;نوبل للسلامquot; لquot;منظمة حظر الأسلحة الكيميائيةquot;، التي تقوم الآن بمهمة تفكيك الكيماوي السوري، فهذا أمرٌ يترك وراءه أكثر من سؤال وأكثر من إشارة تعجبٍ واستفهام.

المعارضة السورية المعارِضة لquot;نوبل للسلامquot; لهذا العام بررت هجومها بquot;أن منح الجائزة للمنظمة الدولية بعد قبولها الوساطة في نزع السلاح الكيميائي لبشار الأسد مقابل تجنيبه ضربة عسكرية غربية يعتبر جائزة في حد ذاته لنظام بشار الأسدquot;.
ماذا يعني ذلك.

الأمر يعني بوضوح، أنّ المعارضة السورية لا تزال مصرّةً على سياستها التي بدأت بها: quot;سياسة قتل الناطورquot;.
بكلام آخر، ليس مهماً بالنسبة للمعارضة السورية، تفكيك quot;منظمة حظر الأسلحة الكيميائيةquot; للكيماوي السوري، الذي كان سيشكّل خطراً حقيقياً ليس على حياة سوريا والسوريين فحسب، وإنما على كلّ دول الجوار أيضاً، والمجازر الكيماوية التي ارتُكبت في سوريا، على مرآى ومسمع العالم والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء، أكدّت بالدليل القاطع أنّ quot;حرباً كيماويةquot; مفتوحة كان من الممكن أن تقع في أي لحظة وتجرّ المنطقة بأسرها إلى الكارثة.

ما يهم المعارضة، إذن، قبل تفكيك الكيماوي السوري، هو quot;تفكيكquot; النظام السوري نفسه، الذي هو شرطها الأساس وربما الوحيد لمشاركتها في أية اتفاقية سلام.
ما يهمّها قبل انضمام سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، هو quot;ضمquot; الأسد إلى معاهدة quot;حظر السلطةquot;.

المعارضة السورية، التي عاهدت نفسها، منذ الأول من إقامتها في quot;المجلس الوطني السوريquot; ومن ثمّ في quot;الإئتلاف الوطني السوريquot;، بأنّ quot;لا حوار مع النظامquot; واتخذت كما النظام الحرب خياراً للثورة ولأهلها، أوصدت كلّ الأبواب على كلّ سياسة من شأنها تحقق السلام في سوريا يكون النظام طرفاً فيها.

هي، راهنت على الحرب، كما النظام راهن عليها.
هي، راهنت على إسقاط النظام، كما النظام راهن على إسقاطها.
هي، راهنت على الطائفية (quot;السنية السياسيةquot;)، كما النظام راهن على الطائفية ذاتها، أي quot;العلوية السياسيةquot;.

هي، راهنت جماعاتها quot;السنيةquot; وعلى رأسها quot;القاعدةquot; وأخواتها، كما النظام راهن على جماعاته quot;الشيعيةquot; وعلى رأسها quot;حزب اللهquot;.

هي راهنت على أصدقائها وعلى رأسهم أميركا ودول quot;المحور السنيquot;، كما النظام راهن على أصدقائه وعلى رأسهم روسيا ودول quot;المحور الشيعيquot;.

لكنّ العالم، أصدقاء واعداء وquot;أعدقاءquot; أدرك، ربما في الوقت الضائع من سوريا، بعد سقوط أكثر من 110 قتيل وأضعافهم من الجرحى والمعوقين والمعتقلين، بالإضافة إلى الملايين المشرّدة في الداخل والخارج، أنّ رهان الطرفين على الحرب، هو رهانٌ خاسر، ما يعني في النهاية خسارة كلّ سوريا وكلّ السوريين.

ليس مهمّاً للعالم، الآن، خصوصاً بعد مقايضة أميركا وقف مشروع الحرب بتسليم الأسد ترسناته الكيمائية، أن quot;يرحلquot; الأسد أو quot;يبقىquot;، بل المهم للكلّ، وللسوريين أولاً وآخراً، أن ترحل الحرب.

وهنا بالضبط تكمن أهمية السلام، الآن، بالنسبة لسوريا ولكلّ السوريين.
هنا بالضبط تكمن أهمية منح quot;نوبل السلامquot; لquot;منظمة حظر الأسلحة الكيماويةquot;.
لا يهم هذه المنظمة الدولية الفائزة بquot;نوبلquot; من سيربح السلطة في سوريا، الأسد أو المعارضة أو الإثنين معاً. ما يهمها هو أن تربح سوريا السلام، وأن يربح السوريون أنفسهم، قبل أن يربحوا السلطة.. أية سلطة.

لا يهم quot;الكيميائيةquot; فقه المعارضة السورية وتفسيرها لفوزها بquot;نوبل للسلامquot;، على أنه فوزٌ للنظام السوري، وإنما ما يهمها هو أنّ فوزها بالجائزة، هو في المنتهى فوزٌ لكلّ سوريا ولكلّ السوريين: هو فوزٌ للسلام ضد الحرب، وللحلّ (ولو جزئياً) ضد المشكلة. فتفكيك الكيماوي يعني في المنتهى تفكيكاً للحرب، في شقها الكمياوي، الأخطر على السوريين وعلى جيرانهم.

المعارضة السورية، أثبتت بمعارضتها لquot;نوبلquot;، من جديد، أنها تقرأ السياسة وكلّ ما حولها بالمقلوب، بإعتبارها quot;معارضة ضد الأسدquot; قبل أن تكون معارضة مع سوريا ولأجلها.

هي عارضت quot;نوبل للسلامquot;، ربما لأنها لا تزال تراهن على الحرب.
المعارضة السورية، بعكس النظام السوري، خسرت الحرب حتى الآن، وأخشى ما أخشاه هو أن تخسر السلام أيضاً.

[email protected]