تجاوزت العقد الخامس من عمري، وأتذکر ومنذ بدايات الوعي و إدراك الامور، کيف أن معظم البلدان العربية و الاسلامية بل وحتى الشرق برمته کانت تتحدث جميعها عن ثمة مؤامرة تحاك ضدها، وجميع هذه البلدان کانت تدعي أيضا بأنها أجهضت المؤامرة و قضت عليها في المهد عبر تبريرات مختلفة حيث کل بلد کان يدعي الذي يروق لهواه و مزاجه.

نظرية المؤامرة و الاشارة الى عدو مفترض يحوم حول بلد او شعب، هاجس راود و يراود معظم الانظمة القمعية و الدکتاتورية ذات الطابع الشمولي، إذ ليس هنالك من مؤامرة في البلدان التي تسود فيها نظم ديمقراطية حقيقية، وانما تتواجد و تعشعش کخيوط العنکبوت في معظم البلدان ذات النظم غير الديمقراطية، وکلما اسقطوا مؤامرة تعود أخرى لتحيا مکانها، ومع إحترامي لعقيدة تناسخ الارواح و من يؤمن بها، لکنني أجد أن هذه العقيدة قد تم توظيفها على أفضل وجه ضمن الاطار و التوجه السياسي للبلدان غير الديمقراطية، رغم انني أميل أيضا لرأي آخر هو أن المؤامرة في بلداننا بؤر سرطانية کلما تم إجتثاث بؤرة في زمن و مکان معينين، تعود في زمن و مکان آخر، هذا إذا لم نقل أن المؤامرة هي تحديدا غودو صموئيل بيکيت الذي تنتظره النظم غير الديمقراطية في شکل مؤامرة ولکن على مقاسات أهواءها و أمزجتها و طبيعة مصالحها الخاصة.

اليوم، يطل علينا قائد الحرس الثوري الايراني محمد جعفري، ليؤکد بأن بلاده قد دعمت سوريا(ولم يقل تدخلت)، من أجل إفشال مؤامرة کانت تحاك ضد سوريا! وأتساءل ترى ماعلاقة السيد جعفري بحياکة مؤامرة ضد سوريا؟ وهل أن إيران عهد الشاه التي کانت تسمى بشرطي المنطقة کانت تتدخل بهذا الشکل الاستثنائي في بلد يبعد عنها آلاف الکيومترات لأن هناك ثمة مؤامرة تحاك ضدها؟ بل والحق يقال من هو شرطي المنطقة بحق؟ هل کان الشاه أم هذا النظام الذي يحکم الان إيران بقبضة من حديد؟

المؤامرة التي يتحدث عنها السيد جعفري، هي مثل مؤامرة 2009، التي حدثت في بلاده، حيث حاول بضعة ملايين من المشاغبين و المتصيدين في المياه العکرة زعزعة الامن و الاستقرار في نظام الجمهورية الاسلامية فتصدت للمشاغبين بقبضتها الحديدية و أنقذت النظام و مرشده الذي مزقت صوره و تم ترديد شعارات بالموت له، وان نفس هذا السيناريو يتکرر في سوريا حيث يخرج معظم الشعب السوري المشاغب على النظام الهادئ الوديع المسالم في دمشق و يريدون به شرا، ولکن و بطريقة و اسلوب سوبرماني خارق للعادة، إنبرى نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية لإفشال المؤامرة على المحافظة 35 التابعة لها عذرا أقصد النظام الثوري الممانع المتصدي الحليف له في سوريا.

لاأدري لماذا لم يتطرق السيد جعفري الى الاوضاع في العراق، إذ من المؤکد جدا أن هناك أيضا مؤامرة تستهدف النظام السياسي في العراق المصنوع اساسا بدبابات أمريکية، ويجب على الجمهورية الاسلامية بذل الجهود المخلصة في سبيل إفشالها و القضاء عليها، المؤامرة في العراق هي مؤامرة طائفية محضة کما يعرفها الجميع و السيد جعفري نفسه سيد العارفين بهذا الخصوص، ومن المؤکد أن أمريکا و اسرائيل هم الذي يقومون بتوجيه الشيعة و السنة في العراق ليتواجهوا و تندلع الفتنة إذ من غير المعقول و المنطقي أن تبادر الجمهورية الاسلامية الايرانية الى تحريك و تأليب تيارات شيعية و(سنية) لکي تقف بوجه بعضها کما انه من غير المعقول أيضا أن تبادر دول أخرى کترکيا و غيرها بالقيام بهکذا نشاط بل انهم الاسرائيليون و الامريکان فقط، فأين هي جحافل الحرس الثوري للجمهورية الاسلامية کي تدخل الاراضي العراقي کأي شرطي مخلص للشعب العراقي و تثبت و بصورة عملية و واقعية أن الشرطة في خدمة الشعب!

لاأدري ان کان هناك من يتابع الاذاعات الموجهة من إيران بمعظم لغاتها، وبالاخص باللغتين الفارسية و العربية، إذ لو فرضنا بأن لايجب أن يکون هنالك أي تطرق لموضوع المؤامرة، فإنه لن يکون هنالك من مواضيع او محاور قابلة للبث فيها، لکن السؤال الذي يجب طرحه هنا: هل بالامکان توجيه إتهام لنظام الجمهورية الاسلامية بحياکة ثمة مؤامرة ضد بلد ما بالمنطقة؟ هل يعقل أن يقوم نظام يعتمد على الشريعة الاسلامية کاساس لدستوره و قوانينه بحياکة مؤامرة ضد بلد آخر؟ يجب أن نضع الله تعالى أمام أعيننا و لاتسوقنا أهوائنا لتوجيه هکذا تهمةquot;کبيرةquot; لأم قرى العصر الحديث، لکن من حقنا أن نتساءل، نتساءل فقط کما تساءل السيد محمد محدثين مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في المقاومة الايرانية في ختام حوار صحفي أجريته معه: هل کان هنالك قبل مجئ نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية خلاف طائفي و مذهبي کما هو الحال بعدها؟! تصبحون على خير في زمن باتت الکلاب و القطط و الحمير تؤکل في بلاد المسلمين.