تنويه سريع: ان الانتقادات الواردة في المقال ليست موجهة ضد الشعب الفارسي المغلوب على أمره بل ضد النخبة السياسية التي تحكم ايران وسياساتها الاقليمية الخاطئة. ولا علاقة للمقال بالطائفية حيث كنت من أكبر المؤيدين لسقوط الطغاة السنيين وارحب بسقوط عمر البشير. لذا لمن يريدون الزغردة والتكبير لأني شاركت في ندوة هامة تتعلق بالموضوع الايراني ليفعلوا ذلك بصوت مرتفع.

قبل عدة اسابيع استلمت دعوة من المركز الأحوازي للاعلام والدراسات الاستراتيجية للمشاركة بندوة تتعلق بالثورات العربية وتأثيرها على ايران حضرها عدد من النشطاء السياسيين والاعلاميين والاكاديمين من مختلف الجنسيات العربية ومن المراقبين والمهتمين بالملف الايراني. عقدت الندوة في لندن قبل عدة ايام. تناولت الندوة الموقف الايراني من الثورات العربية والدور التخريبي في العالم العربي واحتلال اقليم الأحواز العربي. العنوان الكامل للندوة: الأحواز في ظل المتغيرات الأقليمية و الدولية و آفاق المستقبل.

موقف مزدوج من الثورات:

تفاجأت ايران بالثورات العربية واعتبرتها تطورا ايجابيا يصب في مصلحتها الاقليمية حيث نظرت على الثورات المصرية والتونسية والليبية كبوادر يقظة اسلامية مستوحاة من الثورة الخمينية عام 1979. ورحبت ايران بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك كفرصة لتحقيق مكاسب اقليمية جديدة. كما استغلت ايران الاحتجاجات في البحرين كورقة ضغط اقليمية ضد السعودية ودول الخليج العربي. ورحبت بصعود الاسلام السياسي في مصر وتونس حتى أن قائد فيلق القدس قاسم مسلماني رأى الثورات كايرانات جديدة.

لكن هذا الموقف الداعم للثورات لم يستمر وانقلب رأسا على عقب عندما وصلت الثورة الى حليفها السوري وهذا اربك النظام الايراني الذي قررالوقوف مع الطاغية ضد الشعب السوري وهنا انفضح الموقف الايراني الانتهازي والمنافق. أليس هذا التقلب في المواقف يتسم بالازدواجية واللاأخلاقية؟ تساءل بعض الحضور.

فلماذا قررت ايران دعم السفاح بشار الأسد؟

ايران تعتبر الثورة في سوريا مؤامرة ضدها لهذا تريد حماية النظام السوري واستمراره. هذا النظام رغم الجرائم والمجازر التي ارتكبها سيبقى حليفا تاريخيا لايران. النظام السوري وقف مع ايران في حربها مع العراق. ولكن هذا الموقف الداعم للظالم ضد المظلوم يتنافى مع الدعاية الايرانية أنها مع الحق ضد الباطل ومع الضعيف ضد القوي. هذا الموقف الغير اخلاقي وضع ايران في خانة الشك والريبة بسبب الانتقائية في المواقف وازدواجية المعايير. وهذه الازدواجية تحتقر المباديء التي يرتكز عليها النظام الايراني في دعايته الكاذبة انه يدعم المظلومين ويحمي الضعفاء. اي انه يدعم الشعب اليمني والمصري والبحريني والتونسي ولكن لاسباب ميكافيلية لا اخلاقية يساهم في ذبح الشعب السوري وحماية سفاح دمشق وعصابته.

استغلت النخبة الايرانية السياسية هذه التطورات لترويج فكرة ان الثورات فقط هي ضد الانظمة الصديقة الموالية لأميركا وبطريقة غير مباشرة تقول للشعب الايراني نحن ضد أميركا ولا يجوز الثورة ضدنا.

الدور التخريبي:

التدخل الايراني في لبنان وسوريا واليمن والعراق والبحرين لم يخدم شعوب تلك البلدان وهذا موثق ولا يحتاج الى جدل او نقاش. ما عليك الا ان تسأل اي لبناني لا ينتمي لحزب الله وأي عراقي لا يؤيد حكم نوري المالكي عن الدور الايراني.

تلعب ايران دورا خبيثا في المنطقة بالعمل على زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى وحتى انها تدخلت في القضية الفلسطينية وكرست الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وتاجرت فيها لترويج اكذوبة المقاومة والممانعة. ولكن السؤال ما هو الهدف الرئيسي لايران في المنطقة.

وكان الجواب واضحا ولقي موافقة غالبية الحضور: الهدف الرئيسي لايران هو تحويل الدول العربية الى دول فاشلة لتعزيز نفوذها وقوتها مستغلة الفوضى والتغييرات الناتجة عن ثورات الربيع العربي. فمن الاساليب الايرانية المتبعة مثلا هي مهاجمة الفضائيات المؤثرة مثل العربية الجزيرة وتمويل قنوات الولاء كالميادين والمنار والعالم وغيرها.

الاحتلال الايراني للأحواز:

تم نقاش الاحتلال الايراني للأحواز بالتفصيل وتم عرض الممارسات القمعية ضد الشعب العربي الاحوازي. ومما لا شك فيه أن هناك تقصير اعلامي عربي حيث تم تجاهل القضية الاحوازية لعقود طويلة من الزمن.

ولمن لا يعرف او يهتم، الاحواز هي اراضي عربية تقع جنوب شرق العراق وأهلها عرب مسلمين وتم احتلالها من قبل ايران عام 1925. الاحواز غنية بالنفظ والغاز والزراعة والماء. ايران تتمسك بالاحواز بسبب الثروات النفطية والزراعية. موقع الأحواز الجغرافي جعل منها البوابة لجنوب العراق والخليج. يجب القول ان 88% من انتاج النفط والغاز يأتي من الاحواز و 80% من الصادرات الزراعية تأتي من الاحواز.

الثورات العربية قامت ضد طغاة ودكتاتوريين والشعب الاحوازي يخضع لحكم دكتاتوري تعسفي ولاحتلال عسكري قمعي امني. أي أن مصيبة الشعب الأحوازي اسوأ من مصيبة الشعب الفلسطيني

كبقية الشعوب العربية، الشعب العربي الأحوازي يطمح للحرية والديمقراطية ولكن ايران تعمل باستمرار على طمس الهوية العربية والغاء الاحواز وعروبة الاحواز. من يتابع اخبار الأحواز يعرف ان ايران تنفذ أحكام الاعدام بانتظام في الشباب الاحوازي لمجرد كتابة اي شيء على الفيس بوك يتم تفسيره أنه ضد الدولة. لا يوجد قضاء عادل بل اجراءات تعسفية لا تجرؤ اسرائيل على تطبيقها. عندما تم الاشارة لهذه النقطة ان اسرائيل لا تجرؤ على شنق الفسطينيين احتج احد الحضور وهو مصري الجنسية رافضا تلميع اسرائيل بطريقة غير مباشرة. وتصدى له ناشط عراقي بالقول: هذه مقارنة بين مجرمين وليس تلميعا.
شهدت الاحواز وتشهد تحركات من اجل الاستقلال منذ 1925. تم تسجيل 16 انتفاضة ضد الحكم الايراني أبرزها كان عام 1980 و15 ابريل 2005.

سياسات وممارسات ظالمة:

تفاءل الاحوازيون بعد ثورة 1979 ظنا ان النظام الديني الجديد سيكون أكثر عدالة ورحمة من نظام الشاه السابق ولكن أثبتت الوقائع على الأرض ان هذا وهما وحلما حيث سرعان ما خاب هذا الأمل عندما واصل نظام الملالي سياسة القمع والتطهير العرقي ونقل السكان والتوطين وتغيير اسماء المدن من العربية للفارسية ومنع استعمال اللغة العربية. فيتعرض الشعب الأحوازي ليس فقط لارهاب أمني ظالم بل ايضا لارهاب فكري وثقافي. وأكد بعض النشطاء الاحوازيون ان نظام الملالي أكثر عنفوية وبطشا وقسوة من نظام الشاه.

يواصل نظام طهران سياسة ازالة الاحواز من المعادلة العربية وهذا يساعدها في اختراق الوطن العربي.

التقصير العربي:

يتعين على العرب ان يدركوا ان الدفاع عن الاحواز هو دفاع عن الأمن القومي العربي.

هناك حاجة لحشد سياسي واعلامي لوضع القضية الاحوازية في قمة الألوليات لافشال مشاريع ايران في ابادة الاحواز وعروبتها.

ويجب القول بفضل تضحيات ونضال شباب الاحواز فشلت ايران في مشروعها لزالة الاحواز العربية من الخارطة وستفشل لأن الشعب الأحوازي لا يقبل الخنوع رغم القمع والاعدامات لشباب الاحواز المناضل.

لندن