تستمر الصحافة الأميركية المقربة من الإدارة، وصحافة اليسار الغربي كالغارديان، ومقالات تظهر في الصحافة العربية الدولية، بالتبشير بأن انتخاب روحاني قد جاء بquot; فرصة تاريخيةquot; لحل المشكلة النووية الإيرانية. هذه التحليلات تريد اختزال المشاكل الدولية مع إيران في اتفاق نووي جزئي quot; تحسينيquot;، تقدم فيه إيران تنازلات شكلية طفيفة مقابل رفع العقوبات، مع ضمان استمرار نشاطاتها النووية الأساسية، المؤدية للقنبلة. ومع أن المسؤولين الإيرانيين يتعمدون إغراق العالم بتصريحات متناقضة، فإنهم يجمعون على رفض تلبية مطلب رئيسي ومهم للغاية من المطالب الدولية المقدمة منذ سنوات، ونعني تصدير اليورانيوم المخصب، ولاسيما المخصب بدرجة عالية، للخارج. ولكن الدعايات الغربية المذكورة تواصل تلطيف وتزيينالموقف الإيراني الحقيقي، وهو ما يخدم مناورات إيران لإمرار صفقة ظاهرها quot; انتصار كبيرquot;[ كانتصار صفقة الكمياوي السوري -على حد وصف اوباما]، ولكنها تكون كالقنبلة المؤقتة. ومن المحللين الخليجيين من يجازفون بالقول بأن إصرار إيران على النووي هو خوفها من هجوم إسرائيلي وأميركي، والحال أن أي حديث عن هجوم كهذا لم يبرز إلا في السنوات الأخيرة، في حين يمتد النشاط النووي الإيراني لما قبل ذلك بكثير. فالقنبلة بالنسبة لإيران يراد منها أن تكون أداة هيمنة وابتزاز وضغط على بلدان المنطقة والعالم.

إننا نعرف كيف تلهث الإدارة الأميركية في سياسة استرضاء نظام الفقيه، ولحد وصف مكالمة هاتفية مختزلة بالانتصار الكبير. والصفقة المرجح أن تسفر عن هذه السياسة الاسترضائية، والتي تجر وراءها البارونة آشتون عن الاتحاد الأوروبي، ستعني احتفاظ إيران بإمكانياتها وقدراتها النووية، التي تمكنها من تصنيع القنبلة، مع إعطائها شهادة تزكية سياسية في المنطقة لتكون هي اللاعب الأول والمهيمن- تماما كما أعطت صفقة الكيمياوي الروسية شهادة حسن السلوك لبشار الأسد ونظامه الدموي، وبما يجعل المجتمع الدولي أن يتغاضى عن جرائمه التي أدت لموت وجرح مئات الآلاف، وعن الاستمرار في هذه المجازر تحت شعار ملتبس [ بشار ولا القاعدة]! ونقول quot; ملتبسquot;، لأن القاعدة لم تدخل المنطقة إلا عن طريق سوريا وإيران بعد سقوط نظام صدام، وإيران هي من آوت قادة وكوادر القاعدة واستخدمتهم في العراق بمساعدة بشار الأسد والتنسيق معه. وإن التراخي الدولي وخبث النظام السوري هما من ساعدا على تسلل وانتشار الإرهابيين في صفوف المسلحين. وهذه الكتائب راحت توجه الحرب ضد القوى السليمة في الجيش الحر بينما نجد أن قوات النظام لم تعد تمسها، وإنما تستخدمها أداة دعاية ضد المعارضة، ومن ثم لإضعاف الجميع، وبما يضمن بقاء النظام بمساعدة حزب الله وفيلق القدس والمالكي وروسيا.
الحديث عن quot; الفرصة التاريخيةquot; هذه يذكرنا بتعبيرquot; السذاجة التاريخيةquot; التي وصف بها رئيس المخابرات الفرنسية الخارجية الأسبق quot;مارينشquot; سياسة جيمي كارتر تجاه إيران، وهي السياسة التي ساعدت على انتصار الخمينية باسم حقوق الإنسان، مع أن نظام خميني اقترف- حتى في عامه الأول- من جرائم التعذيب والإعدامات ما فاق جميع جرائم السافاك في عهد البهلوي، وحيث راح خميني ينكل بقوى الثورة والحلفاء واحدا بعد الآخر، حتى تم احتكار السلطة له. فحزب توده الشيوعي، مثلا، الذي نكل به النظام الجديد، كان يستنسخ ويهرب من برلين الشرقية إلى داخل إيران كاسيتات بخطب خميني التحريضية. والأكراد، الذين شاركوا بقوة في الثورة، تم وصفهم بquot;أبناء الشيطانquot; وأحرقت قراهم. وبني صدر، وهو رئيس جمهورية، هرب، ألخ. بالطبع، إن نظام الشاه كان استبداديا فرديا، وكان لابد إما أن يتغير جذريا أو أن يستبدل بنظام ديمقراطي عادل. ولكن ما حدث هو أن كارتر اختار القوى الإسلامية الأصولية بديلا عن الشاه، مثلما اختار أوباما الإخوان المسلمين لحكم مصر. سذاجة بسذاجة! وفي مقابلة مارينش مع الصحفية الفرنسية quot;أوكرنتquot;-[جرت في منتصف الثمانينات]- نجدحقائق مرعبة عن مدى حقد خميني حتى على من أحسنوا إليه، ومنهم الجنرال باقران الذي تشفع لخميني وأنقذه، فكان جزاؤه الإعدام. بل، ويذكر أنه عندما كان الولي الفقيه في العراق، حدث وان تنازع صبي من العائلة مع صبي من الجيران، فطلب من السلطات العراقية إعدام الصبي الجار!
يقول المسؤول الفرنسي الأسبق إنه كان يحذر الشاه من مواقف كارتر، ولكن الأول لم يكن يصدقه، ما دام، كما كان يقول، حليفا قويا للغرب ولأميركا بالذات. ولكن أميركا كارتر نفضت اليد من ذلك الحليف، كما يفعل أوباما بسياسة صفع الحلفاء واسترضاء الأعداء. ومع انطلاق المظاهرات الكبرى في إيران ضد الشاه، أرسل كارتر الجنرال هويزر لإنذار قادة الجيش الإيراني بوجوب الحياد وإلا فلن تقدم لهم الولايات المتحدة قطعة غيار واحدة.[ عن الكتاب الفرنسي quot; أوكرنت ومارانشquot; الصادر عام 1986 - فصل quot; الشاه و أية اللهquot;.]