يمکن التصور بأن نوري المالکي رئيس الوزراء العراقي قد قطب جبينه عندما سمع بنبأ الوصول المفاجئ لطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية في العراق الى العاصمة البلجيکية بروکسل، کما يمکن تفهم و إدراك معنى و مغزى تلك(التقطيبة)، في التحرك الدبلوماسي الاستثنائي لحکومة المالکي بإتجاه إفشال تلك الزيارة.

توجيه دعوة رسمية من قبل البرلمان الاوربي لطارق الهاشمي و بصفته کنائب لرئيس الجمهورية في العراق، خطوة سياسية اوربية أصابت حکومة المالکي و من يماشيها في الرأي و الموقف تجاه قضية الهاشمي بالذهول، لأنهما لم تکن تتوقع أن يبدر هکذا تصرف غير عادي من جانب دول قارة تتميز بتحفظها و رصانتها و رزانتها في إتخاذ القرار السياسي، لکن الذي يدعو للتقطيب و التشاؤم في اوساط حکومة نوري المالکي و مسايريها، هو أن الاوربيين وعندما وجهوا الدعوة للهاشمي فإنهم بطبيعة الحال قد فکروا مليا بما بعد الدعوة، وهنا تسکب العبرات او کما يقول المثل مربط الفرس.

المواجهة المحتدمة بين نوري المالکي و طارق الهاشمي، لازالت في اوجها و ان الهدوء النسبي الذي رافقته خلال الاشهر السابقة، انما کان الهدوء الذي يسبق العاصفة، وان الهاشمي الذي يحتل مکانة و موقع سياسي خاص ليس من السهل إقصائه و شطبه من الصورة بذلك السيناريو(القضائي)، الذي راج لفترة معينة في لبنان و العراق، وکان يمکن أن يشمل وجوه أخرى في العراق لو لم مر السيناريو بهدوء مع الهاشمي، ويظهر أن للظهور السياسي المميز للهاشمي في بروکسل أکثر من علاقة بذلك السيناريو الذي يبدو انه لم يقنع الاوربيين ولهذا فقد أظهروا وجهة نظرهم بهذه الصورة.

النشاط السياسي المکثف للهاشمي في بروکسل و تسليطه الاضواء على الاخفاق و الفشل السياسي لحکومة المالکي و تقديمه المبررات و المسوغات لذلك من خلال تأکيده على مسألتي حقوق الانسان و الامن، وإدافته تلك المسألتين بمعلومات و أرقام دامغة من المشهد العراقي نفسه و التي أذهلت الاوربيين بشکل خاص و الحضور بشکل عام، وقطعا ليس من السهل على المالکي الادعاء بأن معلومات و أرقام الهاشمي لاتمت للواقع العراقي بصلة، والاهم من ذلك أن الهاشمي قد خاطب الرئيس اوباما شخصيا وکأن لسان حاله يطلب منه توضيحا عن سبب الزيارة المزمعة للمالکي لواشنطن في 28 من الشهر الجاري و إجتماعه المنتظر به في البيت الابيض، وکما أکدت اوساطا سياسية في بروکسل لکاتب هذه السطور فإن اوباما يجد نفسه مضطرا لأخذ وجهات نظر الهاشمي بالاعتبار عند لقائه بالمالکي، والذي يمکن إعتباره بالضروة نصرا سياسيا و تقدما للأمام بالنسبة للهاشمي.

زيارة الهاشمي لبروکسل و دخوله من خلال البرلمان الاوربي(مصدر التشريع و صياغة القرار)، يعني قد فتح البوابة الاوربية أمامه و هي مجرد بداية بإتجاه خطوات أخرى ليس ستفاجئ في المستقبل حکومة المالکي فقط وانما ستربکها الى أبعد حد، انها السياسة وکما يقولون کل شئ ممکن فيها!