العراقيون باطيافهم وقومايتهم ومذاهبهم وقادتهم السياسيين يميلون بقوة إلى ترجمة الاتفاقية الامريكية / العراقية الى واقع على الارض، بل يميلون الى تفعيل الاتفاقة وتوسيع افاقها ومساحتها، حتى الذين يرفعون شعارات الرفض والتنديد.
الأكراد على علاقة تاريخية وطيدة مع امريكا، وهم على قناعة بان مثل هذه الاتفاقية تساهم في حماية مصالحهم، بل ربما هي الضامن القوي لها على أرض الواقع.
السنة سواء كانوا عربا او غير عرب، يرون في واشنطن سقف حماية في مواجهة ما يسمونه ب (التغوُّل ) الشيعي في العراق، سواء كان الوصف حقيقة ام مناورة.
الشيعة سواء كانوا عربا او اكرداد او تركمانا يهللون لتفعيل الاتفاقية، فقد تاكدوا بان الحكومة المحسوبة على الشيعة ـ وهو حساب خاطيء بالتمام ـ غير قادرة على حمايتهم من هذه المجازر اليومية التي تقع فيهم في كل انحاء العراق، بما في ذلك المدن الشيعية المقدسة، كما انهم خبروا ايران جيدا، فهي تفتش عن مصالحها أولا وأخيرا، وق
جنت على ارضهم ومائهم واستقرارهم بشكل وآخر.
رئيس الوزراء العراقي محاصر من الايرانيين بشكل واضح، وهذا كلام الشارع، بل كلام انصاره والمحيطين به سرا، وكما تقول الاخبار المسرَّبة ا ن يشكي من التدخل الايراني بقدر ما يشكي من التدخل التركي والسعودي والقطري وحتى الاردني، فهو عاجز تماما، بدليل ان العراق يكاد ينفرط بعهده.
رئيس مجلس النواب النجيفي لا يختلف عن رئيس الوزراء بهذا التوجه بشكل عام، رغم انه مدعوم تركيا وربما سعوديا،ولكنه يعرف جيدا،ان ذلك لا يغني عن دعم دولة كبرى،وفي الاخص الولايات المتحدة الامريكية.
الصدريون يضمرون في داخلهم امنية أن يتواجد الامريكيون في العراق بشكل واخر، فهم محاصرون ايرانيا وحكوميا من الداخل، ولا حول لهم ولا قوة في مواجهة هذا الحصار.
الاقليات لا تطمئن لقوة الحكومة، فالمجازر في تضاعيف هذه الاقليات قائمة على قدم وساق، سواء كانوا مسيحيين او صابئة او ايزيديين او حتى تركمان، وهنا اسميها اقليات مجاراة للتعبير الشائع وإلا هم عراقيون بل هم البناة الحقيقيون للعراق، هذه الاقليات ترنو الى دولة قوية تحميهم، حيث لا حكومة تحميهم ولا قوة ذاتية تجنبهم الذبح الجماعي الموسمي المستمر.
الناس ملّت وجزعت من الحكومة والمعارضة وشيوخ العشائر ورجال الدين وزعامات الاحزاب والتكتلات والعوائل الحاكمة المتحكمة والجيش الرخو واجهزة الداخلية المخترقة، فلم تعد تثق بكل هذه التشكيلات، وفيما كان هناك تجمع هنا او هناك يصفق لفلان أو علان فهي مجرد تجمعات انصار، منهم من يقبض، ومنهم من يرتبط بالزعيم او القائد بصلة قرابة اومصلحة.
الناس جميعا يدركون ان ايران تريد انتهاب العراق، وان السعودية تريد تهييجه طائفيا، وان تركيا تريده مجالا حيويا،وان الاردن طامع بالنفط الرخيص الثمن، وان سوريا ربما تكون مصدر رياح طائفية مدمرة، فالعراق محاط باسوار النار، والداخل محبط، ومنقسم، والشعار الطائفي مقدم على الشعار الوطني، والجميع يحذر بعضه بعضا، فهل غير قوة كونية تعالج كل هذه المفارقات والتناقضات؟
كان نوري السعيد يبرر تحالفه مع بريطانيا بان العراق بمثابة (لحمة دسمة ) واقعة بين (هرين ) قويين، اي تركيا وايران... وليس هناك من حام سوى التحالف مع دولة قوية.
اليوم (لحمة ) العراق اكثر دسومة، و(الهررة ) الذين يتربصون بهذه اللحمة كُثُر واقوياء وربما لهم اجندة كثر ايضا ومن العراقيين في داخل العراق؟
حماية العراق ليس بالخطب الغامضة، ولا باحلام يتامى الابهة الزائفة، ولا بمنطق التشخصن الوطني، ولا بالعمالة لدولة جارة، ولا بحكومة اسر وعوائل، ولا بشخصيات واحزاب يفضح بعضها بعضا، ولا ببرلمان (ضخامة ) الرئيس، ولا بقيادات سياسية أتخمتها الكويت بالمال الحرام، ولا بدلوماسية هشة قوامها اقارب وانساب المسؤولين الفاشلين بحد ذاتهم، ولا برجال دين يميلون حيث تميل المطامع، ولا برؤساء عشائر يُباعون كما يُشترون...
لابد من تفعيل الاتفاقية الامريكية / العراقية!