منذ بداية ثورة الشعب السوري في مارس 2011م وإسرائيل تظهر الحياد. لم تدعم الرئيس بشار الأسد، ولم تدعم الثوار. لقد بدا ذلك وكأنه موقف حيادي من الدولة العبرية، واستمر ذلك التصور حتى قال شيمون بيريز في خطابة للذكرى الأربعين لـquot;حرب أكتوبرquot; -كما يسمونها العرب- و quot;حرب يوم الغفرانquot; -كما يسمونها الإسرائيليون- quot;إن الرئيس بشار الأسد يُعاقب اليوم لعدم تقديمه تنازلات لإسرائيلquot;، فتجلى حينها الموقف الإسرائيلي عما هو حاصل في سوريا، وذلك بعد مرور أكثر من عامين ونصف، حيث كانت إسرائيل وبلا شك، تحلل الأحداث والتطورات على الصعيد الداخلي في سوريا، وتخطط كيفية التأثير على الأسرة الدولية، بما يضمن أمنها دون أي اعتبارات أخرى، سواء للشعب السوري بصفة خاصة، أو الشعوب العربية بصفة عامة. ولقد تبين ذلك في قول بيريز، عندما قال في نفس الخطاب quot;إن الشعب السوري الآن يدفع الثمنquot;.

أي تنازل تريده إسرائيل من سوريا منذ حرب أكتوبر، وحتى الآن؟ وأي ثمن يدفعه الشعب السوري، وقد احتلت إسرائيل هضبة الجولان منذ عام 1967م؟ إنْ كان هناك من يجب أن يتنازل أو يدفع الثمن فهي إسرائيل، لولا تحالف العرب مع أمريكا التي تحمي إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة. فلقد رأينا أمريكا بدورها تقول quot;إنها ثورة شعبية ضد نظام الأسدquot;، ثم رأيناها تقول quot;إنها حرب أهليةquot;، ثم قالت quot;إنها حرب بين السنة والشيعةquot;، ثم وصفتها بأنها quot;معارك قتال على مصالح للقوى السياسية والإقليمية المتضاربةquot;؛ ولعل في تلك المسميات رسماً للسياسة الخارجية الأمريكية، انتقل من الجانب المنحاز للشعب المظلوم، إلى جانب الحكومة الدكتاتورية برئاسة بشار الأسد. وقد فعلت ذلك لتحقيق أمن إسرائيل، ولسان حالها يقول: لأجل أمن إسرائيل، لا بأس أن يموت الشعب السوري. بالرغم من ذلك، لم يكن في سوريا -لولا تدخل إسرائيل- أي مما زعمت أمريكا، وحولتها إلى كل تلك الإيدولوجيات عبر التغاضي أو الدعم أو المنع حسب ما تقتضيه حاجتها، فعندما كانت إسرائيل تريد أن يقوم الجيش الأمريكي بالنيابة عنها بضرب نظام الأسد، كانت أمريكا ضد نظام بشار قلباً وقالباً. وعندما لم يتحقق ذلك في ظل الدعم الروسي الغير محدود للرئيس بشار الأسد، تحولوا عن رغبتهم في ضرب النظام إلى تجريده على الأقل من سلاحه الكيماوي الذي يقلق الأمن الإسرائيلي، وأصبحت ضد الرئيس بشار قالباً فقط.

وفي كلمة من البيت الأبيض، قال الرئيس أوباما quot;إنه يجب تجنيب البلاد ضعف الاقتصاد لتحقيق رفاهية الشعب الأمريكيquot;. فالاقتصاد الأمريكي يمر بأزمة كبيرة نتيجة حروبها في أفغانستان والعراق ومناطق أخرى من العالم، وليسوا على استعداد أبداً لخوض حرب جديدة في الوقت الراهن، سواء في سوريا أو إيران. لذلك عرضوا على روسيا بشكل درامي فوق المسرح السياسي على لسان وزير خارجية أمريكا، جون كيري، أن تسلم سوريا أسلحتها الكيماوية، كي يهدأ روع إسرائيل قليلاً، لا سيما وأن التهديد النووي من إيران ما زال قائماً.

لقد قوَّض هذا التحوُّل -على نحو دقيق- زعم إسرائيل بالحياد، كما قوَّض شعارات أمريكا الإنسانية التي تركت الشعب السوري لمصيره. فأمريكا التي اعتبرت الرئيس بشار مجرماً، عندما كان لديه ما يهدد به إسرائيل، الآن تدرس شرعية الوضع القائم في سوريا مع كلٍّ من روسيا وإيران، الحليفين الرئيسيين للرئيس بشار الأسد، بل لم نعد نسمع ونرى من وزير خارجية أمريكا، إلا وهو يستجدي لانعقاد جنيف2.
لست أعتقد هنا أن يُلام الرئيس أوباما لما فعله من أعمال تعود بالنفع لدولته وشعبه، ولكن من يُلام حقاً هم الذين ربطوا مصالحهم بمصالح أمريكا، التي هي بمثابة الغلاف الخارجي لمصلحة إسرائيل؛ وقد تبيَّن ذلك، عندما قال شيمون بيريز quot;إن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الصراع السوري.