من الواضح بان تركيا تخلّت عن فكرة الإمبراطورية.. ولكن تركيا لم تتخلى عن فكرة تسيّد المنطقة العربية.. بإسلام معتدل.. منمّق الألفاظ.. تدخل فيه من أوسع الأبواب إلى المنطقة العربية.. لترتقي به وعليه إلى مصاف الدول العظمى..ذات التأثير العالمي.. تركيا تسعى لإحداث توافق ما بين الإسلام والديمقراطية.. ومن ثم ما بين العالمين الغربي والإسلامي.. وهو هدف نبيل في حد ذاته.. إلا أن الديمقراطية الحقة لا rsquo;تبنى على أي من الشرائع الدينية.... لأن كل من الديانات الإبراهيمية الثلاث يعتقد بتميزة وتفوقة على الدين الاخر.. وبالتالي فلا مساواة فيه للمواطنين.إضافة إلى أنهم إشتركوا جميعا بإنتهاكات حقوق المرأة وتنصيب الذكر وليا عليها....

ولكن هدف الإرتقاء بالإسلام السياسي كان ومازال هدف أردوغان المستتر.. إلى أن حجّمه الشعب التركي نفسه حين وجد بأن محاولته لأسلمة الدولة تتضارب مع تأسيس أتاتورك للدوله العلمانية. ولن تخدم مصلحة الشعب التركي لا من قريب ولا من بعيد.. العواصف الشعبية التي هبت على أردوغان.. زادها إعصار فشل الإخوان في مصر.. وتخبطهم في بقية المنطقة العربية بما هدد بإقتلاع أردوغان وحكومته.. وحجّم آمالة...

الوضع الإيراني في طموحه وأحلامه أيضا مشابه للحلم التركي.. في الإرتقاء بالإسلام السياسي.. فإيران.. متخذة من تجربتها عنوانا على النجاح.. ولكن بنكهة مختلفة..،تصر على جفائها للغرب لدرجة أن الحكومة الإيرانية رفضت مطلب الرئيس روحاني بشطب مقولة الموت لأميركا.. وبرغم معسول الكلام إلا أنها تتحدى الغرب بطموحاتها النووية.. وترى بأن إسلامها وثورتها هي الأفضل والأحق بأن تكون الملهم الوحيد للثورات العربية. وإستطاعت فتح قنوات دعم لها في لبنان والعراق.. وحماس التي هي ( حماس ) العامل المشترك الأكبر ما بين كلا الدولتين.. وباتالي تتأرجح آراء وميول حماس مابين إيران وتركيا تبعا لمن سيتكفّل بفواتيرها المالية بغض النظر عن مصلحة الفلسطيني نفسه.... وحلمت بأن تضامنها مع مصر بالتحديد سيضمن لها الرقي بالدولة الدينية الإسلامية إلى مصاف الدول العظمى.. ولكنها ( إيران ) تعبث بأمن دول الخليج.. وتتحدى إسلامهم.. وطموحاتها في الدول الخليجية أكبر نظرا لوجود النفط بحيث يجعلها لاعبا دوليا أساسيا.

ولكن تبقى أحداث مصر هي الشوكة في حلق كلا الدولتين.. وهي مركز ثقل المنطقة العربية.. وتعمل جاهدة بعد خروجها من عباءة الإخوان على الإحتفاظ بسيادتها والإحتفاظ بقراراتها بعيدا عن التجاذبات السياسية التي تحاول كلا الدولتين إستقطابها لتبنيها.. ولكن عدم الإستقرار.. والتهديد الأمني المتواصل يؤرق الحكومة الإنتقالية وrsquo;يصعّب من قدرتها على الإيفاء بوعودها تجاه المواطنين الذين أصبحوا يحلمون بالأمن ربما أكثر من حلمهم بالخبز؟؟؟ فالحكومة المصرية المؤقته تواجه تهديدين كبيرين.. الأول في الداخل.. آخره كان هجوم على كنيسة قبطية.. وعدم الرد من الشرطيين الواقفين لحراستها على المهاجمين.. ثم والأكثر أهمية صياغة دستور يكفل لكل الأقليات حقوقهم في المواطنة.. بدون المرجعية الدينية؟؟

الخطر الآخر الذي تواجهه الحكومة المؤقته.. التهديد الأمني الحدودي في سيناء؟؟؟ وتدفق كميات كبيرة من الأسلحة عبر الحدود الليبية.. إضافة إلى وجود ما يقرب 18-24 ألف مسلح.. وعلاقتها مع حماس في تدهور مستمر بعد هدم الأنفاق والتهمه الموجهه لحماس بالعبث في الأمن المصري.. إضافة إلى الملف الذي rsquo;فتح أخيرا حول معاملة المصريين للاجئين السوريين؟؟؟؟ وبالتالي فأمام مصر مشوارا طويلا.. إضافة إلى قرار مصر بعدم الأخذ بالمشروع الإيراني..

اما إنحدار ليبيا إلى مستنقع الفوضى بعد ما يزيد على 40 عاما من الظلام وشبه المؤسسات فحدث ولا حرج....

وبرغم القنابل التي لا تنقطع في العراق.... يبقى الوضع السوري هو الأكثر تعقيدا في الوقت الراهن..لأن هناك قوى إقليمية ودولية تتجاذبة.. ولم يعد خيار الإنسان السوري وحدة.. هذا الوضع هدد حياة الإنسان السوري بكل الأشكال.. ولا احد يستطيع التكهن بنتائجه.. فبعد أكثر من سنتين على الحرب الدائرة. ثبت بالدليل القاطع بأن ليس هناك من أمل بإنتصار أي منهم الطرفين ( المعارضة والنظام ).. ومع إزدياد معاناة الإنسان السوري.. يزداد إنقسام المعارضة نفسها.. ما بين الجيش الحر.. وبين التنظيمات الجهادية.. التي وربما عادت من العراق لتؤكد وجودها في الساحه العربية..

فهل يكون حل المعضلة السورية بداية لحل بقية مشاكل المنطقة العربية.. هل إتفاق اللاعبين الكبار على حل لسورية سيساهم في الإستقرار السياسي في المنطقة.. وماهو الثمن الذي ستدفعه إيران لهذا الحل.. هل هو التخلي عن حماس أم حزب الله أم النظام السوري نفسه لأن إيران ومن منطلق إيمانها بمساواتها بكل الدول الأخرى لن تتنازل عن طموحاتها النووية حتى وإن غلفتها بمعسول الكلمات.. إيران وفي سبيل حل أزمتها الإقتصادية الناتجه من العقوبات الدولية وإزدياد البطالة قد ترى أن مصلحتها أكبر في عودتها للساحة العالمية كلاعب مهم مما يضع موضوع إعادة صوغ علاقاتها الإقليمية أمرا ثانويا مقارنة بأهمية علاقاتها الدولية..


من المحتمل تضحيتها بالنظام الأسدي كثمن زهيد في مقابل الحصول على الرضا الشعبي الإيراني..وإستعادة ثقة الشعب السوري بها..

الأسد واهم حين يظن بأنه سيبقى سيدا في دمشق. وتأكيده بأنه لا يجد سببا يمنعه من الترشح لولاية مقبله عام 2014 مشابه لنظام الممانعة الذي سمى به نظامه... لأن إيران ستضحي به حينما تتأكد من الإرادة الشعبية السورية في الإنتخابات المقبله حيث يصبح عبئا عليها.. ولن يستطيع الغرب ولا إيران إعادة تأهيله مرة أخرى بينما يطارده شبح مجرم حرب وقاتل أطفال..

كل ما سبق يدعونا للتأمل.. والتساؤل
bull;
هل تشاركت الدول الغربية في الأمم المتحده حينما أصدرت قرارها الأممي بإستقصاء الحرب على سوريا من الواجهة والإعتماد فقط على الحل السلمي كما جاء في قرار الأمم المتحدة رقم 2018 الذي أصرت المادتان 16-17 فيه على أهمية الحل السياسي.. حتى ولو تطلب الأمر جلوس المعارضة مع النظام برغم ما إقترفه من جرائم مروعه.. تصل إلى الإبادة الجماعية.؟؟؟


bull;
هل دخول عناصر القاعدة والسلفية هما من جعل الغرب يفضل التعامل مع النظام الذي أجرم في حق شعبه مؤقتا بينما فصائل من هذه المعارضة الجهادية أجرمت في حق الشعوب الغربية وتتطلع إلى نشر الإرهاب العالمي؟؟؟؟


bull;
هل خططت واشنطن لجر إيران إلى تقارب موهوم في مفاوضات مع مجموعة الدول الخمس.. لمحاولة التأكد من درجة إقترابها من مشروعها النووي؟؟؟ أم أن هذا التقارب جدي لأن الإدارة الأمريكية لا تميل إلى سياسة القوة.. وساهم سوء الوضع الإقتصادي وإنهاك الخزينة على مدى سنوات في حروب سبقت الإدارة الحالية في قرار التقارب....

رغبة الولايات المتحدة في التخلص من عبء المنطقة العربية وإدراكها بأن خروجها من العراق يؤكد الحاجة إلى قوة إقليمية قادرة على لجم تصاعد العناصر الإسلامية المتشددة التي تطمح في إنشاء دولة الخلافة في العراق وسورية و التي قد تاخذ من فوضى إنسحاب القوات الأميركية ا من العراق فرصة لتعزيز حضورها وبناء قواعد لها؟؟
bull;

السؤال هنا.. ماذا تريد إيران من الزعامة الإقليمية.. هل هو الإنتقام من العرب البدو الذين قهروا الحضارة الفارسية في مطلع التاريخ الإسلامي.. أم هي حقا جادة في قيادة الشعوب الإسلامية لما فيه تحقيقا لمصالحهم.. ولآمالهم في الحياة الكريمة.. الجواب هو النظر إلى الشعب الإيراني نفسه... ومقارنة معيشته بمعيشة أؤلئك الذين في السلطة وفي الحكومة.. والذين لا يعيقهم الحظر الإقتصادي.. النظر أن إيران التي تعمل على إمتلاك السلاح النووي.. بينما هناك قرى وبلدات تتضور جوعا ومحرومة من البنى التحتية.. الجواب هو فشل الدولة الدينية في أي مكان في توفير الحريات.. وقدرتها على تزييف الديمقراطية بالشورى لتجعلها على مقاسات دينينة ثبت بالدليل القاطع عجزها عن مجاراة العصر.. وتحقيق أحلام المواطن الإنسان أينما كان.. نعم نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية كان فقط في قتل الحريات.. ولكنها وبرغم مواردها النفطية فشلت في تحقيق الرخاء الإقتصادي..

الطريقة الوحيدة للجم إيران.. وعدم السماح لها بالعبث في المنطقة العربية.. ليس بشراء مزيد من الأسلحة.. بل بخطط تنموية للمنطقة.. ولكن والأهم بفصل الدين عن الدولة للحاق بالقرن الحادي والعشرين..

منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية