لم يكن استهداف قبر الزعيم الراحل الكبير الحبيب بورقيبة من قبل عناصر تكفيرية حدثا معزولا في تونس، فـquot;المجاهد الأكبرquot; (نعت يصف به أنصار بورقيبة زعيمهم الراحل) يتعرض منذ مدة إلى حملة ممنهجة من قبل حكام تونس الجدد من الإخوان ومفتي ديارهم وكذا من بعض المتزلفين إليهم ممن استغلوا مناسبة عيد الجلاء (عيد وطني يخلد معركة خاضها الجيش التونسي ضد القوات الفرنسية من أجل تحرير قاعدة عسكرية شمال البلاد أرادت فرنسا الإحتفاظ بها بعد استقلال تونس) للإنخراط في حملة قذرة هدفها تشويه هذا الرجل الرمز والإجهاز على ذكراه الطيبة ومكانته المتميزة في قلوب أبناء جلدته من عموم التونسيين. فما أقدم عليه أبناؤهم quot;المبشرين بثقافة جديدةquot; ممن اتخذوا من الجبال مراتع لممارسة الرياضة وتحسين اللياقة البدنية والذين quot;يذكرونهم بشبابهمquot; (نعوت كانت تصف بها قيادات النهضة ومنهم راشد الغنوشي التكفيريين)، ليس سوى تتويجا لحملاتهم التحريضية وتصريحاتهم النارية الموجهة إلى باني تونس الحديثة.
فلا تكاد تمر مناسبة إلا ويعبر النهضويون وأتباعهم عن كرههم الشديد ومقتهم للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. فقد رفض quot;كبيرهمquot; الترحم عليه في وقت سابق ووضعه وبن علي في ذات الكفة ونعتهما بـquot;المخلوعيْنquot;. ولا يميز أغلب آل النهضة بين زمن حكم بورقيبة وبين عقدين ونيف من حكم بن علي ويعتبرون أن بلادنا عاشت خلال حكمهما ما يزيد عن خمسين سنة من الفساد والإستبداد، وكأنهم أهل إصلاح وبناة حضارة شيدوا أروع الإنجازات وضاقت الأرض بما رحبت من آثارهم.
ولعله من الطبيعي أن يحقد هؤلاء على بورقيبة نظرا لاختلاف الولاءات بينه وبينهم.. فالزعيم الراحل كان يؤمن بتونس ويسعى لعزتها ومناعتها ورقيها وازدهارها ورخاء شعبها، وكفاه فخرا أنه كان صاحب مشروع وحامل لرؤى وتصورات وآمن بهذا الشعب وبقدرته على التغيير والإصلاح وحاول وأخفق في بعض المحطات، وهو البشر الخطاء، لكنه حقق أروع النجاحات في أغلب الأحيان. أما هم فيوالون تنظيما عالميا إخوانيا لا يمت لتونس بصلة، يغلبون مصالحه على ما سواها حتى وإن تعلق الأمر بالمصلحة الوطنية والأمثلة عديدة في هذا المجال.
أَوَ لم يقطعوا العلاقات مع سوريا إرضاء لهذا التنظيم ضاربين بمصالح التونسيين عرض الحائط شأنهم شأن حركة حماس التي انتصرت لإرادة التنظيم الإخواني رغم أن مصلحتها تقتضي كما البراغماتية الحفاظ على الممولين بالمال والعتاد الحربي أي سوريا وإيران؟ ألم يتخندق النهضويون مع إخوانهم في مصر و مع quot;مُرسيهمquot; رغم أن المصلحة الوطنية التونسية تقتضي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وخصوصا إذا تعلق الأمر بدولة شقيقة تجمعها بتونس علاقات متينة قديمة قدم الدولتين؟
إنهم لا يؤمنون بما آمن به بورقيبة على الدوام وهو الذاتية التونسية التي تجعل الخضراء دولة متميزة في محيطها الإقليمي. فهي عربية إسلامية وحسمت أمرها باكرا في هذا المجال مقارنة بجوارها وتعتز بذلك، لكنها أيضا متوسطية يَهُب عليها النسيم العليل لهذا الحوض فيضفي الإعتدال على طباع شعبها ويبعد عنهم الغلو في فهم المقدس ويجعلهم قابلين للآخر مهما بلغت درجة الإختلاف معه، وهو ما تفتقده البيئة الملهمة لمفكريهم، وطبيعتها القاحلة.
إن بورقيبة سيبقى على الدوام مصدر قلق لهؤلاء لأنه نقيضهم الذي يدحض مزاعمهم من خلال إنجازاته، حتى وهو راقد في قبره ينتظر ملاقاة ربه في يوم الحساب الموعود. وما لم يراجعوا أنفسهم على غرار من يدَعون أنه ملهمهم، أي سيد الأناضول رجب طيب أردوغان، الذي استسلم لعلمانية الدولة التركية وأقر بزعامة مصطفى كمال أتاتورك ولا يتحرج من إلقاء الخطب وفي خلفيته صورة لهذا الأخير، فإن جميع معاركهم ستكون خاسرة مع بورقيبة لأنه باختصار إبن بيئته فيما فكرهم السياسي غريب عن هذه الديار.