الدعاية السياسية السوداء هي وجبة معلوماتية سريعة وطازجة تقدمها اي وسيلة اعلام وتظهر الوجه المتشائم للحدث وتقدم المضون الدعائي بدون مصدر، او هي معلومات كاذبة ومختلطة للتاثير على المتلقي لها، ويعتبر في هذه الايام موقع التواصل الاجتماعيquot;فيس بوكquot; احد وسائل الدعاية السريعة، فهذا الاخير هو عالم افتراضي وسريع بإمتياز سيما ان الاشتراك به غير مدفوع الثمن ودون رقابة او الرقابة عليه شبه محدودة، وبالتالي تداول المعلومات من خلاله تكون سريعة وبمتناول الجميع واي رسالة سياسية مسمومة كانت او غيرها بامكانها ان تمرر لعشرات الالاف خلال لحظات. ومن السهل على المتصفحين البسطاء ان ياخذوا بها، بل ويتقاسموا مناقشتها وتداولها.

صُلب الحديث في مقالتي هذه هي الدعاية السياسية السوداء، التي تعتبر اليوم احد ركائز الحرب النفسية التي التي يقودها الاعلام السوري والاعلام المؤيد له ضد الشعب الثائر على الظلم والوحشية،فمُرغما اقف على بعض خطاب هذا الاعلام الذي اقل وصف له انه معاق وكسيح ولا يرتقي الى المهنية، ويسخّف عقل المشاهد او المستمع، هذا اذا تجنبنا الحديث عن الشخصيات التي يتحفنا بها النظام للدفاع عن صورته المشوهة، وبطريقة قميئة ومثيرة للاشمئزاز وتبعث على التقيؤ امام حقائق واضحة كوضوح الشمس فنَّدتها الصور ومقاطع الفيديو التي نقلتها هواتف الناشطين للعالم.

ان الدعاية السوداء التي تديرها ماكنة الاعلام السوري وبعض القنوات المحسوبة على النظام تتم صناعتها داخل اروقة المخابرات واجهزة الامن بدون شك، وهذا ما اظهره احد المنشقين عن الفضائية السورية الذي نشر مقطع فيديو لفتاة تدعي انه تم اغتصابها من قبل مايسمى quot;الارهابيينquot; في الوقت الذي تتلقى ما تقوله من رجل يقف خلف الكاميرا.

في مدينة داريا العام الماضي اقتضى ان يرتب تقرير تلفزيوني اعدته قناة الدنيا السورية على هذه الشاكلة: امرأة مدرجة بدمائها وفي المحطة الاخيرة نحو الموت، والمذيعة الفذة تحاورها في الرمق الاخير، اطفال يجلسون القرفصاء وقد امتلأت وجوههم بالرعب وبجانبهم امهم الميته، وتمطرهم المذيعة بالاسئلة ايضا، ثم تتمخطر quot;منزوعة الوجدانquot; مرة اخرى بكامرتها بين جثث الاطفال والنساء مستعرضة بطولات جيش الاسد في صد ما اصطلح على تسميتهم quot;الارهابيينquot;. رجال ونساء يبكون عنوة خلف

الكاميرا يطالبون بالقضاء علىquot; الارهابيينquot;، مشهد اخير لجيش الاسد يهرول باتجاه الازقة لمطاردة فلول quot;الارهابيينquot; هنا ينتهي التقريرالذي دائما يكون حصريا لهذه القناة المعروفة quot;بالشفافية والسرعة والانفرادquot; بنقل الخبر!!.

انها حقا مهزلة كبرى ان يظل اعلام طوال سنتين ونصف السنة يردد نفس الدعاية عن وجود عصابات مسلحة وتكفيرين وزواج نكاح، ومرتزقة وما الى ذلك من دعايات تبعث على الاشمئزاز، وللاسف نجد شذاذ الافاق الحاضنة الخصبة لهذه الدعايات.

المشكلة الحقيقية لاتكمن بطريقة بث الدعاية السياسية السوداء،او نوعها، انما بالطريقة التي يجب على المشاهد ان يحللها ويتمحصها قبل ان ينقلها للاخرين وان ينظر الى ما ورائها، خاصة عندما يكون هناك امورٌ مُسلَّمٌ بها بان وسائل الاعلام الحكومية دائما تخدم سياسة الدولة وهذا ما يتجسد اليوم في اعلام عصابة الاسد ودفاعه المستميت عن اجرامه،فالاعلام السوري هو النظام بحد ذاتيه.

اخيرا، لفتة بسيطة، من يريد الترفيه عن نفسه ما عليه الا ان يعود للخلف في شهر quot;آبquot; الماضي ليشاهد عبر قناة الاخبارية السورية بثينة شعبان مستشارة بشار، وهي تتحفنا بمعلومة غاية في الاهمية حول مجزرة الكيماوي في الغوطة، متهمةً quot;العصابات الارهابية المسلحةquot; بانهم اختطفوا الاطفال من المناطق العلوية وضربوهم بالكيماوي.!!! ولا تنسوا ايضا ان ترجعوا للوراء ثلاثة عشر عاما، عندما اطلت علينا مذيعة الاخبارية السورية لتنقل لنا خبر انتحار رئيس الوزراء السوري الاسبق محمود زعبي بثلاثة رصاصات اطلقها على رأٍسه قبل ان يفارق الحياة!!. حقا انه اعلام يخاطب اناس في كوكب اخر!!.

صحفي فلسطيني مقيم في اوسلو