في شعر منسوب للإمام علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه)، جاء فيه:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا****يغنيك محموده عن النسـب
إن الفتى من قال ها انـــــــــذا****ليس الفتى من قال كان أبي

يحق لكل إنسان أن يفتخر بحسبه ونسبه، ولكن الأهم هو أن يكون أهلا لذاك الحسب والنسب، فلا يطبل ويزمر بأنه ابن فلان ومن العائلة الفلانية، وهو لايملك عشر معشار أدب ومعرفة من ينتسب اليهم. كثيرة هي العوائل ذات الحسب والنسب الرفيع، ونادرة تلك العوائل التى لا تشوبها شائبة وتخلوا تماما مما يشينها.

عائلة الصدر هى من العوائل الكريمة المحتد، ويجلها ويحترمها العراقيون وخاصة الشيعة، ولا يمكن أن ينسى ما قدمته من تضحيات فى عهد البعثيين المباد. فقد قتل المقبور صدام حسين السيد محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر وولدين له هما مصطفى ومؤمل، وقتل أيضا عم مقتدى العلامة المرجع السيد محمد باقر الصدر وشقيقته آمنة الصدر (بنت الهدى)، ونجى مقتدى الذى لم يكن معروفا لابتعاده عن الأمور الدينية والسياسية فى ذلك الوقت.

لم أسمع باسم مقتدى الصدر الا بعد سقوط صدام وحزبه فى نيسان/ابريل 2003، فعندما عدت الى بغداد بعد سنة من السقوط، رأيت صور مقتدى مثبتة على الجدران فى بعض مناطق بغداد. وكنت مارا فى سوق الشورجة عندما شاهدت صورته من على شاشة تلفزيون وضعه صاحب أحد الدكاكين خارج دكانه ليشاهد المارة مقتدى وهو يخطب، وعندما سمعت كلامه ذهلت من قلة معرفته وسوء ادائه، وكأنه طالب فى الابتدائية. ثم فهمت أن مجموعة من الشبان قد هرعوا الى بيت مقتدى قبيل وصول القوات الأمريكية الى بغداد، وأقنعوه باقامة حزب او حركة للمحافظة على حقوق الشيعة، وطرب مقتدى للفكرة وسلم نفسه لتلك المجموعة التى يقال أن معظمهم من البعثيين الشيعة الذين فقدوا مناصبهم مع سقوط سيدهم صدام. ولاريب أنهم قد تعبوا كثيرا فى إعداد مقتدى (الغشيم) لزعامتهم(وهوالذى ذكر فى خطاب له ان عدد دول العالم يزيد على 400 ألف دولة!!)، فكتبوا له خطاباته التى تدل على ضحالة تفكيرهم الذى ينطبق على السيد مقتدى نفسه. ونفذ أشخاص ينتمون لتلك المجموعة أول عمل إجرامي لهم فى العهد الجديد عندما قتلوا رجل الدين المعتدل عبد المجيد الخوئي ومثلوا بجثته داخل مرقد الإمام علي فى النجف فى يوم 10/4/2003 خوفا من منافسته لهم، فقد كان الخوئي يتفوق عليهم وعلى مقتدى علما ومعرفة ولا وجه للمقارنة. وبالرغم من صدور أمر باعتقال مقتدى ومجموعته الا انه لم ينفذ.

واتضح لى مؤخرا أن السيد مقتدى ليس الزعيم الحقيقي لكتلته، والقيادة الحقيقية تضم بهاء الأعرجي وأمير الكناني وضياء الأسدي وجواد الحسناوي وآخرين، وهم يتخذون من مقتدى ذي النسب الرفيع مجرد واجهة لإقناع الجهلة بالسير خلفهم والاقتراع لهم فى الانتخابات البرلمانية. وهذا يفسر سبب إعتزال السيد مقتدى عدة مرات بسبب الخلافات بينه وبينهم فيعدونه بالطاعة ويعود. وفى المرة الأخيرة عندما إعتزل الح عليه كل من اياد علاوي والنجيفي ومسعود البارزاني بالعودة، وأخذوا يكيلون له المديح وينادونه بـ(سماحة السيد) وغيرها من الألقاب التى تنبسط لها أساريره. وأنا واثق من أن أي منهم لايكن له أي احترام او مودة وانما يطمعون بتأييد أتباعه لهم فى مخططاتهم السياسية.

ولتطابق مصالح ايران ومجموعة مقتدى الصدر، فقد بدأت المجموعة بهجمات مسلحة على القوات الأمريكية بحجة مقاومة الاحتلال الأمريكي، الذى خلص العراق من أعتى حكم دكتاتوري تسلط عليه فى اي عصر من العصور السالفة. ولما كان العراقيون السنة يخشون على مصيرهم تحت حكم الأغلبية الشيعية، حصلت معارك دامية بين (جيش المهدي) وأبناء السنة، ودُقّ اسفين بين السنة والشيعة، وبدأت الخلافات التى كانت شبه نائمة بين الطرفين، واشتدت الكراهية بينهما، وانقسم العراق الى محافظات سنية وأخرى شيعية وثالثة كوردية.

وتكاثرت الكتل والأحزاب والجماعات اللاهثة وراء الحكم فمنها من يجامل الأمريكيين ومنها من يقاوم وجودهم بالعراق. وكانت الكتلة الصدرية أشد مقاومة لوجودهم بايعاز من ايران، مع أن وجود الأمريكيين كان ضروريا لمنع القتال الشرس الذى حصل بين السنة والشيعة، وتدخل دول الجوار فى الشأن العراقي وخاصة ايران. وأخيرا اضطرت حكومة المالكي الى اللجوء للقوة لايقاف الصدريين عند حدهم وتمكنت من دحرهم فى البصرة وغيرها بمساندة الأمريكيين فى ما عرف بـ(صولة الفرسان)، فهربوا الى ايران، وتخلص الناس من شرورهم.وأعلن مقتدى تجميد جيش المهدي وأنه قرر الاعتزال عن السياسة ومواصلة دراسته الدينية فى مدينة (قم) الأيرانية. ولم يتوقف الصدريون عن نشاطهم تماما إذ قام بعض الوسطاء بالتوسط بينهم وبين الحكومة، وأعربوا عن رغبتهم بالاشتراك بالعملية السياسية بصورة سلمية، وتم لهم ما أرادوا وعاد مقتدى الى العراق، ولم يلبث طويلا حتى عاد الى مناوراته الملتوية وحاول جهده فى البداية إثارة العداوة بين حزب الدعوة والبدريين أتباع السيد عمار الحكيم نجل الراحل السيد عبد العزيز الحكيم الذى كان مقتدى يمقته ويعاديه جهارا. والواقع أن الخصومات بين العائلتين لم تكن جديدة، فالمنافسة بينهما قديمة لأسباب مالية بالدرجة الأولى فيما يخص الخمس والزكاة التى يدفعها لهم (المؤمنون).

ومؤخراً ظهر لنا (صدري) جديد هو السيد جعفر الصدر نجل آية الله السيد محمد باقر الصدر، الذي نفذ فيه النظام السابق حكم الاعدام في نيسان (ابريل) عام 1980، وخلع العمامة والرداء الديني، ورد فى الاسبوع الماضي على بيان مكتب رئيس الوزراء الذى حذر فيه السيد مقتدى من حملات لا عقلانية ولا تخلو من البذاءة على الحكومة ورئيسها ndash;فيما يظهر أنها حملة انتخابية- متهما المكتب بالتهجم على السيد مقتدى الصدر بما لا يليق بمقامه، ذاكرا: quot;ان المتنفذين بالحكم وصلوا اليه برفعهم شعار الانتماء الى عائلة الصدر! وان مكتب رئيس الوزراء استخدم كلمات تعبر عن حالة العمى التي اصابت كاتبها والانحلال الذي يعانيه و تسيء لسماحة حجة الإسلام والمسلمين المجاهد السيد مقتدى الصدر!quot;، بحسب تعبيره. ويظهر أن السيد جعفر ينوى الترشيح فى الانتخابات الجديدة فقال ما قال.

وأشاد السيد مقتدى بموقف ابن عمه جعفر وقال quot;ان موقف السيد جعفر كان مشرفاً ببيانه الاخير ودليل على ان التيار الصدري هو تيار موحد ونهج ثابت للشهيدين الصدرين ولافرق بينهماquot; بحسب تعبيره، وقال quot;ان موقفه يدل على انه باق على نهج أبيه الشهيد الصدرالاول ومرجعه والشهيد الصدرالثاني واسال الله ان يثبتني ويثبته على هذا النهج المقدسquot;. ان خلْع جعفر الصدر لردائه الديني وتهجمه على الحكومة بتلك الشدة يدل على أن وراء الأكمة ما لا يسر بل ينذر بشر مستطير، ستكشف عنه قابل الأيام.