تشير قائمة المدعويين إلى جنيف، وكذا الظروف المحيطة بالمؤتمر المزمع عقده، إلى سخرية، باذخة، يمارسها المجتمع الدولي على ضفاف نهر الدم السوري المتدفق، هل يمكن مقاربة الحدث بغير هذه الأوصاف؟
رفعت الأسد بطل مجزرة حماة، وقاتل السوريين، يدخل على قائمة حضور مؤتمر جنيف، وبواسطة العراب فلاديمير بوتين، المورد الأكبر للأسلحة التي تشكل آلة قتل السوريين اليومية بعناصرها المختلفة من طائرات ودبابات وخطط حربية جرى تطبيقها في غروزني، ويتوقع إعادتها إذا نجحت تعديلاتها السورية.
قبل رفعت الأسد، كان قدري جميل معارضاً أيضاً، ولم تمنعه صفته كنائب لرئيس الوزراء من إدعاء صفة المعارض، والأمر نفسه ينطبق على علي حيدر وزير المصالحة الوطنية، المعارض الشرس، الذي حظي بلقاء علي الكيلاني بطل مجزرة بانياس والداعي لتطهيرها، حيث تكرّم هذا الأخير على الوزير المعارض بأن منحه فرصة للإشادة ببطولاته الوطنية بقتل أهل بانياس واغتصاب نسائها وهو القادم من تركيا!
ليست المشكلة في دعوة هؤلاء لمؤتمر جينيف، طالما ستجري دعوة إيران الشريك المباشر لنظام الأسد في قتل السوريين، ورعاية روسيا، ليس بوصفها عضواً أساسياً في مجلس الأمن، ولكن بصفتها راعية للنظام وحامية للأقليات المظلومة في سورية، إذاً لا مشكلة في ذلك، لكن ليس بصفتهم ممثلين لأهالي القتلى في سورية وللنازحين والمعتقلين والمشردين، هذا كثير على الجرح السوري ومبالغة في الاستهتار بالعقول الآدمية، بل أكثر من ذلك، هو نوع من التسخيف لمأساة جرى تصنيفها على أنها الأخطر في التاريخ المعاصر.
وإذا كان هذا الأمر يحصل على مستوى المدعوين، ترى ما الذي ستتفتق عليه ذهنية المجتمع الدولي فيما خص القضايا التي سيجري بحثها على طاولة مؤتمر جينيف، ثمة إرهاصات تشير إلى احتمال التوافق على قضايا تخص الأطراف الدولية أكثر من تركيزها على مشكلة الشعب السوري، وفي هذا السياق سيتم التركيز على الاطمئنان على مسار الكيماوي وتعزيزه، وفي هذا السياق فإن مصير بشار الأسد يصبح خارج إطار البحث، بل ربما يجري التأكيد على تدعيم استمراره حتى إكمال المهمة، دون تقييدها ببرنامج زمني محدد، التسريبات تقول أن الأوربيين ذاهبون في هذا الاتجاه، بعد أن وافق الأمريكيون ضمنا على هذا الأمر في إطار اتفاق الكيماوي مع الروس.
ثمة قضية أخرى يتوقع أن تكون أساسية على طاولة جينيف، وكان نوري المالكي قد مهد لها في زيارته لواشنطن، والواضح أنها نتيجة اتفاق مدروس مع نظامي طهران ودمشق، وهي قضية محاربة الإرهاب، الذي يتسع تعريفه هنا ليشمل كل فعاليات الثورة السورية، حيث يسعى نظام بشار الأسد، في ظل هذه الرخاوة الدولية إلى التأكيد على دمج جهوده في قتل السوريين في إطار الحملة العالمية على الإرهاب، فبالنسبة له لا يختلف قصف طائراته لأحياء دمشق وحلب وكامل المدن السورية عن قيام الطائرات بدون طيار عن تعقب القاعديين في اليمن وباكستان، بل أنه يذهب أكثر من ذلك إلى حد الطلب من المجتمع الدولي شكره على قيامه بهذه المهمة وحيداً، وما على المجتمع الدولي إن أراد تصحيح خطأه تجاه الحدث السوري سوى استدراك الأمر ومساعدته بحربه على السوريين وتقديم الوسائل التقنية والفنية اللازمة لهذا الأمر، ولا بأس من مساعدة الجيوش إن أمكن!.
أما قضية الحكومة الانتقالية ودور الأسد في مستقبل سورية، فتلك قضية سيتم الإصرار على أنها من حق السوريين فوحدهم من يقرر، بالطبع طيف السوريين ذاك من غير المسموح أن يشمل النازحون والمشردون والمحاصرون والشهداء، وبالتأكيد هو لن يشمل كائنات هلامية أيضاً، لكنه سيقتصر على المؤيدين لحكم الأسد، في حين يجري ضم الفئة الصامتة، التي لا تتيح لها ظروفها التعبير عن رفض الأسد بشكل صريح كي لا تفقد وظائفها ومساكنها وأسباب رزقها، إلى خانة شعب بشار الأسد، ووفق حسبة النظام، وهي حسابات طالما يجري التصريح بها بشكل علني داخل سورية، أن النظام تؤيده جميع الأقليات بدون استثناء، إضافة إلى سكان المدن الأساسية دمشق وحلب، وهؤلاء يتم تقديرهم العددي بحوالي 70% من مجموع سكان سورية!. هذه الأرقام ستكون بجيب وليد المعلم وسيشهرها على طاولة مفاوضات جينيف، وبالفم الملآن سيعلن للعالم عن شعب الأسد، في حين سيحيل سكان المخيمات والبراري والذين أكلهم السمك في البحار إلى نمط شعب هائم غرر به الإرهابيون، وقد يطالب العالم إما بتسليمهم بصفتهم مطلوبين للعدالة أو التكفل باعتقالهم بصفتهم خطراً على الأمن العالمي!
إضافة لذلك، سيركز النظام على الوقائع الميدانية على الأرض، وما سيحققه من هنا حتى تاريخ انعقاد المؤتمر، وتلك قضية ذات أهمية خاصة بالنسبة للنظام، حيث يستعجل تحقيق بعض التقدم في مناطق معينة وخاصة في أرياف دمشق وحلب بمساعدة حلفاءه، بغض النظر عن حجم الدمار وكمية القتل التي تتطلبها تحقيق تلك الإنجازات.
جينيف وفق هذه المواصفات لن يكون سوى تجهيزاً لمرحلة تدميرية أكثر قساوة ورعباً للسوريين، وهو لن يكون سوى موعداً لمزيد من إنجازات القتل والاستباحة بحق السوريين، أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون نيابة عن البشرية كلها وبرعايتها لن يكون جينيف سوى موسماً لممارسة سخرية باذخة تشترك فيها جوقة المجتمع الدولي لتنعق بأبشع نشيد سمعته البشرية في تاريخها.