من المؤسف أن للعراق رئيسَ وزراء يقول quot;إن أعداء الحسين ليسوا هم مَنْ قتلوه، وإنما هم مَنْ يقتلون الناس الآنquot;. ليس مفهوماً كيف يتم الربط بين قتلة الحسين رضي الله عنه، وبين مَنْ يقتلون الناس الآن؛ لا سيما وأن القتل جارٍ، والدم يُراق في العراق وغيره، كفلسطين وسوريا. لعل المعنى الذي أراده نوري المالكي يتضح في قوله quot;فالحسين يُقتل يومياً بالمفخخات، وخاصةً استهداف زائري المراقد المقدسة والمشاركين في عزاء مصرع الحسينquot;.

إذاً هكذا بدا الفكر الطائفي المقيت لدى نوري المالكي، مما لا يليق برجلٍ يقف على رأس الدولة. إن مَنْ يستخدم القوة في تبرير أفعاله الطائفية ويعلنها، هو ديكتاتور لا يصلح لإقامة دولة حضارية يعمّها العدل والمساواة. إن الطائفية عداء وخصام واستعلاء فيه ظلم قبيح لا يرضاه إنسان، حيث لم تقرّه أيٌّ من الأديان السماوية. فكيف يستقيم لمَنْ يقتني فكراً محصوراً على طائفة واحدة أن يعي ضرورة الانفتاح مع مختلف دول العالم، إذ إن دول العالم لا تحيي كلها ذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه. لذلك فإن نوري المالكي فشل في أن يقيم علاقات دولية، بسبب أنه يعيش الحاضر بأفكار الماضي التي يضعها نصب أعينه؛ فهو -على سبيل المثال- يقول علناً quot;إن الدم يسيل ضد الأحرار منذ 1400عامquot;، على الرغم من أن حادثة استشهاد الحسين وقعت منذ 1374عاماً! فإنْ كان يدري ماذا يقول، فتلك مصيبة؛ وإنْ كان لا يدري، فالمصيبة أعظم.

ومن المفارقات، تصريحات المالكي تلك التي يضع فيها اللوم دائماً على السنة؛ ففي بيانٍ آخرَ صدر له مؤخراً، اتهم المالكي quot;ميليشيات مقتدى الصدر بأنها أشاعت القتل والخطف والسرقة في البصرة وكربلاء وبغداد وباقي محافظات العراقquot;. تلك التخبطات التي تبدو في شخصه، أفقدته قيمته حتى لدى مَنْ نصّبوه على السلطة. ففي زيارته الأخيرة لواشنطن، طلب المالكي أسلحة أمريكية، من ضمنها طائرات هجومية من نوع أباتشي وطائرات بدون طيار، ولكن تم رفض هذين السلاحين، نظراً لاستياء واشنطن من التوجهات الاستبدادية المكشوفة لنوري المالكي، وفشل حكومته التي يهيمن عليها الطائفة الشيعية في الانخراط مع العراقيين السنة والأكراد منذ انسحاب الجيش الأمريكي في ديسمبر 2011م. فإنْ كان هذا ما تراه أمريكا على بعد آلاف الأميال، فمن باب أولى للدول المجاورة للعراق أن يروا ذلك.

لا عجب لأمريكا أن تتعامل هكذا مع نوري المالكي، فهي كانت تأمل أن يكون زعيماً سياسياً عراقياً له مبادئه الخاصة وإيديولوجيته النابعة منه ليؤدي دوره في المنطقة ويرعى مصالحها، ولكن آفاق المالكي لا تصل حد الزعامة، كالتي اشتُهر بها زعماء قاموا بأدوارهم على نحوٍ لا يخلو من تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة بطريقةٍ أو بأخرى، كأنور السادات مثلاً، مع الفارق بينهما. فالبيت الأبيض على ما يبدو يرى نوري المالكي أنه موظف مثالي ومخلص لمرجعيته في طهران، التي تحرص أن تكون بغداد تحت سيطرتها، لتحقّق إيران إيديولوجيتها في المنطقة. حتى أن موقع المجلس الأعلى الإسلامي quot;فرع طهرانquot;، هو مَنْ أعلن -باللغة الفارسية- عن إفشال محاولة انقلاب ضد حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال زيارته لواشنطن.

كان من الأجدر لنوري المالكي أن يكون زعيماً لا موظفاً على مرتبة وزير، يستجدي تبادل الزيارات مع تركيا أو السعودية. فقد أعلن يوم الخميس 7 نوفمبر عن استعداده لزيارة المملكة العربية السعودية ndash;صاحبة الزعامة الإسلامية والعربية في المنطقة- لإنهاء الخلاف وبدء علاقات طيبة - هذا الإعلان الذي جاء متأخراً، وكأنه لم يصنع هو بنفسه ذلك الخلاف، أو يكن هو نفسه مَنْ صعّده، عبر أفكاره الطائفية والتحريضية ضد السنة والأكراد، تلك الأفكار التي أدت إلى إذكاء العنف بجميع أشكاله، فضلاً عن تفرّده بالسلطة بالقوة.

وفي هذا الشأن، سأل المالكي صحفي أثناء خطبته في المعهد الأمريكي للسلام في واشنطن عن عزمه لترشيح نفسه لولايةٍ ثالثة، فأجاب أنه quot;لا يعرف المبرر لهذا السؤال، وهذا متروك للشعب العراقيquot;؛ ولكن المبرر تم نشره في الصحف الأمريكية، التي نظرت إلى نزعة المالكي السلطوية في الولايتين، فلا يمكن الوثوق به وإعطاؤه صفقة أسلحة، ما لم يتبنَ سياسة شفافة لضمِّ الجميع، لكي يضمن أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة و ديمقراطية.