تشهد المسألة الوطنية الكوردية كقضية شعب محروم من حقوق القومية والانسانية مجزأ الوطن تطورا ملحوظا على المستويين الاقليمي والدولي إذ رغم المعوقات العديدة التي تقف في طريق تحقيق الكورد لآمالهم القومية المشروعة تحصل قضيتهم على المزيد من القبول العام نتيجة للسياسة الواقعية التي تمارسها القيادات الكوردية والكتل والأحزاب السياسية عامة في اقليم كوردستان العراق والنهج السياسي والاقتصادي الذي تتبعه حكومة الاقليم بشكل خاص ( رغم ما يشوب هذه التجربة من نواقص ) ففي الوقت الذي تكرس جهودها للبناء وإرساء قاعدة وعلاقات اقتصادية قوية تركز ايضا على اسلوب الحوار والنضال السلمي وترسيخ علاقات حسن الجوار ولعل اوضح دليل على ما سبق العلاقات الكوردية - التركية التي تتطور باطراد نحو الافضل وتأتي زيارة رئيس اقليم كوردستان العراق تتويجا لعمل مشترك مضني لتجاوز مرحلة صعبة من العلاقات المتوترة ان لم تكن عدائية خلال العقود الماضية ومن المؤكد ان هذا سينعكس ايجابيا على الجهود المبذولة للمضي قدما في عملية السلام مع الحركة الوطنية الكوردية في تركيا كما المح اليه وزير خارجية تركيا في اخر تصريح له

من الواضح لمن يريد ان يستفيد من تجارب الماضي انه من غير الممكن بناء شرق اوسط ينعم بالسلام والأمن والتقدم الحضاري ما لم تكن مكوناته متفقة فيما بينها على كل التفاصيل بما فيها ضمان الحقوق القومية للشعب الكوردي كأحد اهم مكونات المنطقة ( اكثر من ثلاثين مليون نسمة ) وتحتل بلاده موقعا استراتيجيا في غاية الاهمية ومن الممكن ان يكون عاملا أساسيا لاستقرار المنطقة هذا الموقع الاستراتيجي الذي يحول دون الاحتكاك السلبي للحضارات الثلاث العربية والإيرانية والتركية المتصارعة منذ اكثر من الف وخمسمائة عام وفي الغالب على ارض كوردستان ومن الممكن ان تكون كوردستان عاملا مساعدا في تكامل هذه الحضارات الثلاث وبالتالي بناء شرق اوسط جديد يمتاز بالتسامح والتعاون والعمل المشترك.
لقد ادت سياسات صهر الشعب الكوردي في بوتقة هذه العنصرية او تلك وإنكار وجوده وحرمانه من حقوقه الانسانية المشروعة الى مأسي يندي لها جبين الانسانية وكلفت شعوب المنطقة الكثير من الارواح والأموال والتخلف الاقتصادي والحضاري وقد ان لكل هذا ان ينتهي وان ينتهي عن طريق السلام والحوار والاتفاق والقبول لصالح الاجيال القادمة واستحقاقات المستقبل.
صحيح ان الموقف التركي الذي يتطور ببطء ولكن بثبات جاء متأخرا عن الموقف العربي بشكل عام من القضية الكوردية الذي صاغته الاحزاب الشيوعية العربية بالإضافة الى الاحزاب والتكتلات المحسوبة على الناصريين والحركة الاشتراكية العربية بمفاهيمها التقدمية والنظام الاشتراكي في اليمن وحركة الوفاق العراقية وأيضا للتأريخ مواقف الرئيس الليبي السابق معمر القذاقي وحزب البعث في العراق قبل سيطرة الدكتاتورية.
الموقف التركي في التحليل الاخير تغيير ايجابي لصالح شعوب المنطقة عامة والكورد خاصة اذ يأتي من دولة اقليمية رئيسة ومهمة وتضم الاغلبية الساحقة من الشعب الكوردي وعلاقات تركيا مع اقليم كوردستان مثال حي على مدى التغيير الحاصل وان كان البعض يصورها مجرد عقود نفط ومصالح انية؟
الزيارة التي يقوم بها رئيس اقليم كوردستان الذي يركز على ضرورة قبول الاخر والتي تأتي عقب زيارات اخرى لدول عربية ستبحث بالتأكيد الكثير من القضايا الملتهبة في الساحة الشرق اوسطية وقد يكون الملف السوري واحدا من ابرزها خاصة بعد قيام المعارضة الكوردية بإقامة سلطة انتقالية لإدارة المناطق المحررة وهذا مثال اخر على ان الكورد قادمون وبقوة على مسرح الاحداث التي من المتوقع ان ينجم عنها خارطة جديدة للشرق الاوسط بإرادة شعوبها تحقق السلام والرفاهية للجميع بما فيها شعب كوردستان.