لا شكّ انّ هناك غباء لدى بعض اللبنانيين، لكنّ معظم اللبنانيين ليسوا أغبياء الى درجة يمكن أن ينطلي عليهم كلام من النوع الذي يصدر عن الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيّد حسن نصرالله.
هناك لبنانيون يصدّقون مثلا ما يقوله النائب المسيحي ميشال عون الذي كان وراء دخول القوّات السورية قصر بعبدا في العام 1990 وسيطرتها في الوقت ذاته على مقرّ وزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة وذلك للمرّة الاولى منذ الاستقلال الذي صار عمره سبعين عاما. هؤلاء موجودون وأحياء يرزقون. لكنّ هؤلاء لا يمثلون لا لبنان ولا اللبنانيين. انّهم يمثلون شريحة مسيحية تعكس الى حدّ كبير جهل عون في كلّ ما له علاقة بلبنان والمنطقة.
انه الجهل الذي يستغلّه حسن نصرالله الى أبعد حدود منطلقا من أنّ ايران استطاعت في ثلاثين عاما تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان وهي تعمل حاليا على تغيير طبيعة المجتمع اللبناني كلّه كي يصبح مرتبطا بثقافة الموت التي ينادي بها الحزب الايراني...الذي بات يعترض على الحياة الليلية في الوطن الصغير الذي اسمه لبنان!
الاكيد، أقلّه الى الآن، أن ايران لا تزال عاجزة عن السيطرة على جميع الشيعة في لبنان، خصوصا أن هناك أصواتا شيعية تؤكّد كلّ يوم أن لبنان لا يمكن أن يكون مستعمرة ايرانية في أي شكل من الأشكال.
هذه الاصوات جزء لا يتجزّا من كتلة لبنانية واسعة تؤمن بثقافة الحياة من جهة وبأنّ هناك، من جهة أخرى، صيغة اسمها الصيغة اللبنانية كانت ولا تزال، على الرغم من كل الصعوبات والتعقيدات، الصيغة شبه الوحيدة القابلة للتطوير والتطور في المنطقة.
تكمن مشكلة الامين العام لـquot;حزب اللهquot; في أن اللبنانيين ليسوا بالغباء الذي يعتقده، خصوصا أنّه بات يؤكّد بالصوت والصورة أنّه لا يريد فقط أن تكون الحكومة اللبنانية تابعة له، بل يريد السيطرة على كلّ لبنان بمسيحييه ومسلميه.
لو كان اللبنانيون من الغباء الى الحدّ الذي يظنّه، لما كانوا أخرجوا القوات السورية من لبنان في نيسان- ابريل 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. لو كانوا بالغباء الذي يظنّه لما ردوّا على كلامه في الخطاب الذي ألقاه غي الثامن من آذار- مارس 2005، اي بعد مضي ثلاثة أسابيع على جريمة اغتيال رفيق الحريري بتظاهرة الرابع عشر من آذار التي أدت عمليا الى الانتهاء من الاحتلال السوري للبنان.
اراد نصرالله وقتذاكquot;شكرquot; النظام السوري على احتلاله لبنان وفرضه وصايته على اللبنانيين وتعميق الانقسامات المذهبية والطائفية في ما بينهم. ردّ اللبنانيون على خطاب quot;شكرا سورياquot; بطردهم القوات السورية من لبنان. هل كان الامين العام لـquot;حزب اللهquot; يشكر وقتذاك سوريا، سوريا النظام طبعا، على تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه لا أكثر ولا أقلّ؟
الملفت في الخطاب الاخير للأمين العام لـحزب اللهquot; الايراني سعيه الى طمأنة أنصاره الى أن اسرائيل تابع لاميركا وليس العكس. كان يدّعي، في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن، أن اسرائيل هي التي تتحكّم بالقرار الاميركي!
أراد القول أن صفقة ايرانية- أميركية تصبّ في مصلحة quot;حزب اللهquot; الذي لا خوف على مستقبله. أكثر من ذلك، أراد القول أنّ مثل هذه الصفقة ستعزّز وضع quot;حزب اللهquot; في لبنان وأن quot;الشيطان الاكبرquot; هو بالفعل quot;الشيطان الاكبرquot; وأن التعاطي معه مليء بالفوائد والمنافع التي ستصبّ في مصلحة كلّ من يؤيّد quot;حزب اللهquot; في لبنان ويدعمه وأن أميركا ستساند هذا التوجّه عاجلا أم آجلا...
الاكيد أن اللبنانيين، في معظمهم، ليسوا أغبياء الى درجة الوصول الى تصديق هذا الكلام. كيف يمكن لنصرالله الاعتقاد أن هناك لبنانيا واعيا يمكن أن يأخذ على محمل الجدّ كلامه عن quot;الاحتلالquot; الاميركي للعراق، مثلا، وعن أنّ ايران كانت ضد هذا الاحتلال؟
كلّ ما في الأمر أن ايران كانت شريكا في الحرب الاميركية على العراق. لم تتردد ايران لحظة في دعم الغزو الاميركي للعراق وذلك من منطلق مذهبي بحت يصبّ في مصلحتها. لماذا يصرّ الامين العام للحزب على انكار هذا الواقع المدعوم بالأدلّة الموثقة؟
خرجت ايران، عمليا، كمنتصر وحيد من الحرب الاميركية على العراق. يسعى نصرالله الآن، الى التمويه لا أكثر ولا أقلّ. يهاجم اسرائيل من منطلق أنها تتجسس على لبنان، وكأن اسرائيل في حاجة الى أجهزة جديدة تزرعها في المناطق الحدودية كي ترصد كلّ حركة في لبنان. مثل هذا الكلام عن التجسس الاسرائيلي يخفي أمورا أخرى. في مقدّم هذه الامور رهان quot;حزب اللهquot; على صفقة أميركية- ايرانية لتكريس لبنان مستعمرة ايرانية.
لو لم يكن الامر كذلك، هل كان هناك مبرّر لهذا الهجوم الذي يشنه الامين العام للحزب الايراني على المملكة العربية السعودية؟
لو لم يكن الامر كذلك، هل كانت تلك الهجمة على الخليجيين عموما لمنعهم من زيارة لبنان والاستثمار فيه؟
في النهاية، يسعى الامين العام لـquot;حزب اللهquot; الى الترويج لصفقة جديدة تحلم بها ايران. فحوى الصفقة تكريس ايران قوة اقليمية مهيمنة، في مقابل تخليها عن الجانب العسكري في برنامجها النووي. مثل هذا الدور الاقليمي لايران يسمح، أو هكذا يفترض، لميليشيا مذهبية عناصرها لبنانية بمشاركة النظام السوري في قتل شعبه، كما يسمح لهذه الميليشيا المسلّحة بتشكيل حكومة لبنانية جديدة على نسق الحكومة المستقيلة التي على يرئسها، نظريّا فقط، نائب سنّي من طرابلس اسمه نجيب ميقاتي.
قد تكون الادارة الاميركية غبية الى درجة كبيرة. هذا ما يراهن عليه حسن نصرالله ومن يقفون وراءه ومن أوحوا له بخطابه. الاكيد أن اللبنانيين خارج هذه اللعبة وهذا الرهان. انّهم يرفضون، بكل بساطة، الاستسلام لحزب مذهبي مسلّح، ليس سوى لواء في quot;الحرس الثوريquot; عناصره لبنانية، لكنّه لا يعترف بلبنان، لا بحدوده ولا بسيادته ولا بمؤسساته.
يبدو أنّ أخطر تطور شهده في لبنان منذ الاستقلال، اذا وضعنا جانبا اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969، يتمثل في أن quot;حزب اللهquot;، الذي يطالب بأنّ يكون ممثلا في الحكومة وبالحصول على الثلث المعطّل فيها، وضع الرابط المذهبي فوق الرابط الوطني. كيف يمكن للبناني، أي لبناني، صادق مع نفسه الوثوق بمثل هذا الحزب الذي يقدّم ولاءه لايران وللمذهب على كلّ ما عدا ذلك؟ كيف يمكن لمن يفكّر بهذه الطريقة ويتصرّف على هذا النحو الادّعاء بأنّه عدوّ لاسرائيل ولطموحاتها على الصعيد الاقليمي؟ ليس الكلام عن العداء لاسرائيل، هذا اذا كان هناك عداء حقيقي لها، سوى غطاء للحرب التي تشنها ايران على لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين...