عزيز الحاج
لابد أولا من إدانة العملية الإرهابية التي تعرضت لها سفارة الملالي قي بيروت، وراح الكثيرون، لاسيما من اللبنانيين، ضحايا لها. إن كل عملية إرهابية تجب إدانتها بقوة، أيا كان منفذوها، ومن وراءها، وبأي برقع تبرقعت.
وإذ يجب قول هذا، فيجب أيضا أن يقال إن نظام الملالي، ومعه حليفه السوري، كانا أول من استهدفا سفارات الدول الأخرى في المنطقة، خطفا كما عام 1980 مع السفارة الأميركية في طهران، أو تفجيرات، كما مع السفارة العراقية في بيروت عام 1981 والسفارة الأميركية عام 1983 والسفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت في العام نفسه. ويجب عدم نسيان أنه، قبل الإعلان عن تأسيس القاعدة في أواخر الثمانينات، كان نظاما الفقيه والأسد، وبأدواتهما، من حزب الله والتنظيمات العراقية الشيعية المعارضة في إيران، سباقين ومبادرين للتخطيط لسلسلة عمليات إرهابية من كل نوع، كخطف الطائرات والاعتداء على السفارات وتنفيذ الاغتيالات ومحاولات الاغتيال [ محاولة اغتيال أمير الكويت عام 1983 بمشاركة بعض قادة حزب الدعوة، واغتيال قادة أكراد وشابور بختيار]. وكان من أركان الإرهاب الإيراني- الأسدي الرمز الإرهابي المعروف عماد مغنية. وفي مقال سابق، جرى التذكير بجواب وزير الخارجية الإيرانية ولايتي عام 1994 للوزير المصري حول أسباب تعاون إيران مع quot; الأفغان العربquot;، أي القاعدة. وكان الجواب الإيراني أن هؤلاء يدافعون عن القيم الإسلامية، ولذا كان التعاون معهم!
لقد نسبت quot;كتائب عبد الله عزامquot; القاعدية عملية بيروت المذكورة لنفسها، وربطتها بالأحداث السورية. ومعلوم أن مؤسس هذه المجموعة هو السعودي صالح القرعاوي، الذي ظل سنوات تحتquot; ضيافةquot; فيلق القدس في إيران، كما العشرات غيره من قادة وكوادر القاعدة، ومنهم سيف العدل، مهندس جرائم 11 سبتمبر. وكان الزرقاوي يعبر بكل سهولة الحدود من العراق لإيران وبالعكس، وجميع الإرهابيين القاعديين، الذين روعوا عراق ما بعد صدام، كانوا يتسللون من سوريا، وبعلم وتسهيلات أجهزتها المختلفة. ولن ننسى شهادة الجنرال كيسي عن الدور الإيراني مع القاعدة في تفجيرات سامراء، التي أشعلت الحرب الطائفية في العراق لسنوات. وها هي إيران من وراء عمليات تقتيل وخطف اللاجئين الأشرفيين في أشرف وليبرتي بالعراق.
وسواء كانت القاعدة من وراء استهداف السفارة الإيرانية، كما تم الإعلان عنه، أو كانت عملية جديدة محبوكة تذكر بحريق الرايخشتاخ النازية[؟؟]، فإن ماكنة الدعاية الإيرانية ndash; السورية، سارعت لاستغلال الحدث الإرهابي لأغراضها السياسية، وللظهور بمظهر ضحيتين مستهدفتين، في الوقت الذي تتواصل فيه ماكنة القتل والتجويع والتهجير الأسدية ndash; الإيرانية في سوريا، بمشاركة مباشرة من حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية. ولا يمكن أن نرى فرقا جوهريا بين عمليات الإرهاب التي تخطط لها وتنفذها هذه الأطراف وبين قاعدة جبهة النصرة ودولة العراق والشام وكتائب عبد الله عزام. جميعهم رعاة إرهاب مع اختلاف الدرجات والغايات والأدوات والقدرات. ولكن ماذا بقي من سوريا والشعب السوري بسبب الأسد وبوتين وخامنئي وحزب الله والمالكي وسياسة أوباما وجرائم القاعدة وتبعثر المعارضة السورية؟! سوريا أصبحت الدولة الشهيدة، التي أقصى ما يمكن تمنيه اليوم هو وقف القتال والرحمة بالشعب، من بقي منه والملايين المهاجرة التي فقدت كل شيء وتتعرض لمختلف أنواع الامتهان والعذاب والحرمان. ويا ليت حلا وسطا ممكن اليوم لأسباب إنسانية بحتة. لكن يبدو أن حلا كهذا ndash; الذي ربما كان ممكنا قبل عامين- صار من المستحيلات. وواأسفاه على سورية وشعبها العزيز والشهيد.
وأما انتقال المعركة السورية للبنان، فيعني دفع هذا البلد المبتلى، هو الآخر، إلى الجحيم. وقد يمتد الجحيم ليعم المنطقة كلها.
نعود لنقول إن محاولات الإعلام السوري - الإيراني استغلال حدث السفارة للظهور بمظهر الحمل الوديع الذي تستهدفه ذئاب الإرهاب عملية فاشلة لأن السباقين لرعاية وتشجيع الإرهاب في المنطقة كانا، ولا يزالان، هذين النظامين بالذات، وهما، مع أدواتهما وحلفائهما، المسؤولون الرئيسيون عن المآسي والكوارث الكبرى التي تعيشها شعوب المنطقة وأمنها، والأمن الدولي. وهذه حقيقة دامغة تشهد بها كل الأحداث السابقة والحالية برغم محاولات المجتمع الدولي تجاوزها في الركض وراء صفقة كارثية مع ملالي الخداع، المهووسين بالهيمنة والتمدد الإمبراطوري القومي - الطائفي.