زاخرة هي العملية السياسية بوجوه لمعت ثم اختفت، صالت وجالت، بعضها هجر وأخرى تعود quot;سائحةquot; في بعض المناسبات السياسية.
تلك هي المعارضة التي تحتجب عن الأنظار طويلا، تغيب، ولا تُرى الا عند الاقتراع وتسجيل الكيانات السياسية للانتخابات، تغص بها العواصم الغربية والعربية لثلاث سنوات ونصف وفي ستة شهور يقدمون العراق للتحضير. بعضهم يعدون شخصيات مهمة فعلا، يملكون من الرؤى او الكارزما ما يفوق الكثير من النافذين الان، الا انهم مقاولو انتخابات، مقاولتهم تطيح بما يملكون من كفاءة وامكانيات.
وبكلام أكثر تحديدا، فان زعيما سياسيا مثل مثال الالوسي برز بقوة في السنوات الأربع الأولى، امتلك خطابا جريئا ومواقف صريحة وعلمانية لا تقبل الشك، ونجح باكتساب ما يقارب العشرة الاف صوت في التنافس الانتخابي اهلته بفعل الدائرة الانتخابية الواحدة، ليحصل على مقعد نيابي. لكنه ما ان خسر الدورة اللاحقة، وبفعل تغيير النظام الانتخابي، اعتكف، وبقي محكوما بانه زعيم عظيم لا يمكنه الحصول على غير تلك الصفة، فان لم ينلها ابتعد.
الالوسي وغسان العطية واياد جمال الدين نماذج لشخصيات مدنية، يعانون من داء الزعامة المفقود، فحتى على مستوى التفاعل الإعلامي يريدون ان تتاح لهم معاملة مسؤول رفيع في السلطة، حوار يخصهما ولا يشتركان في أي ندوة حوارية تجمع معهما اضدادا من الطبقة الثانية والثالثة او العاشرة، ولأن فرصة الخصوصية محدودة إعلاميا لفاقد التأثير والنفوذ والمعلومة، فانهم تلاشوا، وأصبحوا مجرد ذكرى يستحضرها الاعلاميون عند مناسبات ما.
مقاولو العملية الانتخابية هؤلاء شركاء في جريرة الخراب الحاصل، حالة سلبية تشغل مساحة في التنافس الانتخابي وتضيّع على المدنيين الجادين المشابهين غير المشاهير الفرص، وتشتت أصوات القواعد الانتخابية الباحثة عن التغيير، ما يعيد انتاج ذات السلطة، وان فاز أي منهم بمقعد يصبح طرفا في معادلة التجاذب، وشريكا في المحاصصة...
الى جوار أولئك، توجد معارضة أخرى، حاضرة باستمرار سواء في فعاليات النشاط المدني او التظاهرات او عبر الاعلام، تمتلك خطابها الخاص، لا تعاني من التعالي، بل مندفعة وذكية من حيث التعاطي الإعلامي والحضور في الأوساط النخبوية، أهم نماذجها الحزب الشيوعي، حالها أفضل، ليس فقط لأنها أحزاب، فالحقيقة تقول ان بعضها شخصيات لا تملك أحزابا معروفة ووائل عبد اللطيف نموذج، بل أيضا لأنها مستمرة الجهد والعمل داخل العراق وليس من لندن مثلا.
الا ان مشكلة هذه المعارضة انها تمتلك فقط خطاب النتائج، سعيدة برؤيتها غير الطائفية، تقول ما يقوله أي فرد في المجتمع ان المشكلة تكمن في المحاصصة والإرهاب والفساد والطائفية والإسلام السياسي، أمور يعرفها الجميع. ولم تقدم تصورا كافيا عن الطريق لتلك النتائج، حتى على مستوى التحالفات، تعيد ذات الأخطاء، وان كانت قد كسبت نتائج صغيرة في انتخابات مجالس المحافظات الماضية، فقد كسبته بنظام انتخابي اجبر عليه الكبار، وليس بكفاءتها.
ورغم استمرار أخطاء السلطة والنافذين المستمرة، وسوء ادارتها للدولة، تعجز المعارضة عن استثمار الأخطاء والاستفادة منها لتدعيم حضورها السياسي والانتخابي. الخطاب الفضفاض العام والابتعاد عن الناخب المحلي سمة هذا النمط من المعارضة، ففي تجربة انتخابات مجالس المحافظات لاحظنا انها أكثر محدودية من قوى محلية صغيرة في المحافظات السنية تحديدا، الأخيرة استثمرت إخفاقات القوى الكبيرة لتكون منافسا قويا.
نسبة عالية من الناخبين العراقيين فقدوا الثقة بالحاكم وحلفائه وquot;معارضيه المتحالفين معهquot;، وسيقاطعون الانتخابات، هؤلاء مشاريع اقتراع لخلق واقع مختلف، الا ان القوى السياسية المعارضة فرطت بهم، لأنها لا تمتلك خطابا يكسب ثقتهم ويعيدهم مجددا للمشاركة.
البداية تكمن في هذه النسبة اليائسة، في استعادة ثقتها خارج دوائر القوى الرسمية، وتأسيس وجود مختلف، وعلاقة تخلق إمكانية وفرصة للتغيير... وخطاب المعارضة الحالية لا يعيد الثقة.