ما أن تطأ أقدامك ارض المطار في بيروت حتى يبادرك رجاله البيروتيين بكافة أطيافهم، أنت من اربيل؟ والكثير منهم يستخدم اسمها المحبب هولير، وحينما تومئ بالإيجاب يقولون لك تفضل كاكا إلى الفيزا نحن نحبكم ونتمنى لكل العراق أمانكم وسلامكم.

في لبنان هاجس مهم لدى الجميع خاصة وإنهم بين نارين ملتهبتين، وان كانت إحداهما جمر تحت الرماد في أطرافهم الجنوبية، بينما تستعر الأخرى على حدود بلاد الشام، التي اختلطت أيامها في ذاكرة اللبناني معبقة بالألم والعتب والنبض المشترك، ذلك الهاجس اسمه كوردستان، أنهم يتوجهون إليها في بداية الأمر بتوجس مشوب بالخوف من الأحداث في العراق، لكنهم بعد يوم واحد فقط يدركون أنهم يعيشون قصة حب جديدة في عالم الاغتراب الذي تخصصوا به في تاريخهم وتاريخ كثير من شعوب الأرض من البرازيل وحتى نيجيريا وغانا، إنهم قوم وان تغربوا فشرايينهم تدفع الدماء إلى لبنانهم، لكنهم أيضا متميزون بزراعة ارزتهم أينما حلوا ليتركوا إلى شعوب تلك المهاجر ذكريات معفرة بالمحبة والإعجاب!

واليوم تراهم من بيروت وحتى اربيل يتسارعون إلى وطن جديد لغربتهم واغترابهم حاملين معهم ارزتهم، لكنهم هذه المرة لا يقطعون ساعات طويلة إلى هدفهم كما في البرازيل أو نيجيريا، إنهم كما يشبهون رحلة كوردستان بسفرية بين الحمرا وجونية في عجقة المواصلات التي لا مثيل لها في العالم إلا في كوردستان حيث يشكل شرطي المرور وسائق التاكسي طرفي معادلة تلك الفوضى!

لبنان هذا البلد الذي يقول أهليه انه يدير نفسه بنفسه تحت مضلة مليئة بالثقوب، اسمها حكومة تصريف أعمال منذ ما يقرب من سنة، ورغم ذلك تسير حياتهم بنظام دون فوضى، وتمشي الأمور كما وكأن حكومة رشيد كرامي أو صائب سلام تديرها في سبعينات القرن الماضي، ويخال اليك إن رائحة قرنفلة صائب سلام ما تزال تعطر الكثير من مجالس بيروت، رغم ما فيها من دخان كثيف باطعام عديدة لكنها سامة، وربما أكثرها غير السياسية تلك التي تنتشر بشكل مريع في مقاهي ومجالس لبنان، وهي الآفة الجميلة ( الاركيلة ) التي تمارس طقوسها بين شفاه الصبايا وكتل الدخان الذي يملئ المقاهي ويتلذذ بمداعبته الشبيبة، التي تشعرك بانها خارج دائرة الخوف والتهجس التي ادمنت التكلس في سلوك مخاتير السياسة اللبنانية!

في غير موقع ومجلس ومنتدى تسمعهم يتحدثون بإعجاب عن كوردستان وسرعة تطورها وكياسة أهليها، وإصرارهم على تحقيق وجودهم في كافة المجالات، لكنهم لا يخفون تخوفهم من جيرانها ومن حسد الحاسدين ومن دودة الشجرة، مستذكرين دوما لبنانهم في ستينات القرن الماضي وما جرى له، ويدعون أهل كوردستان للتيقظ والتوجس والحذر!؟

حقا حينما يقارن المرء بين لبنان وكوردستان يرى حبلا سريا يربط البلدين وشعبين مكافحين من اجل الوجود، رسالتيهما إلى العالم السلام والمحبة والتسامح، لكنهما في ذات الوقت محاصرين بفوهات براكين خامدة تارة وملتهبة تارة أخرى!؟


بيروت

[email protected]