حين كانت الأغلبية الساحقة من المكونات السورية تابعة لحكم الأسد الذي كان يمارس سياسة اضطهاد و اقصاء ممنهجة بحق الكرد، يحاربهم حتى في لقمة عيشهم، سياسة عنصرية تراكمت أثارها على مر السنين مخلفة احتقانا شديدا بلغت ذروتها وتفجرت مخلفة أحداث 2004 في المناطق الكردية حيث واجه الأكراد بمفردهم آلة القتل التي استخدمها النظام مسمية انتفاضتهم بالغوغاء، بقي الكردي السوري رمز الانسان الصامد في وجه النظام الجائر الذي امتهن خبث اللعب على الجميع حيث حرص على تعبئة الطائفة العلوية في صفوف الجيش من خلال ايهامهم بحتمية المصير المشترك على وجه الخصوص بعد أحداث الثمانينات في حماة وتم اسناد المراكز الأمنية الهامة اليهم كما عمد الى وضع العرب السنة في خدمته عبر أكذوبة الصمود و التصدي لإسرائيل وأميركا ومن خلال النداء بشعارات زائفة عن القومية العربية المستمدة من مفاهيم حزب البعث العنصري،كما أمعن في تسخير الأقليات الدينية لخدمة أهدافه من خلال فزّاعة البديل الذي سيكون ضدهم وللنجاح في ذلك قام باستمالة بعض الشخصيات الدينية من مختلف الطوائف واستخدامهم كأبواق له.

الآن ومع قرب انقضاء العام الثالث للثورة السورية ووجود الأغلبية الساحقة من المكونات السورية في الصف المعارض للنظام هناك ممارسات تستهدف وضع الكرد السوريين من جديد في فوهة بندقية الجميع، النظام، المعارضة بمختلف فصائلها، وحتى محاولة اقحام طرف كردي للتناحر ضد الآخر. المسؤولية اليوم تاريخية واستثنائية، يجب أن لا يكون قدر الكرد البقاء دائما في الجهة المعاكسة لا بد من وجود أطراف معتدلة في صفوف المعارضة السورية تستطيع استيعاب المكون الكردي واحتياجاته كشريك مهم لقيادة المرحلة القادمة في البلاد. تبادل الآراء والاستفادة من تجربة كردستان العراق كعمق استراتيجي أمر جيد لكن التبعية أمر لا يخدم قضية الكرد السوريين وينتزع منهم استقلالية القرار الذي من المفروض أن يكون كرديا سوريا بحتا، هذا على الرغم من الاعتدال الكبير في موقف رئيس الاقليم تجاه قضية الكرد السوريين في ظل التوازنات الاقليمية المعقدة والصعبة.

من جهة أخرى نعم هناك قضية عادلة يخوضها الأكراد منذ عشرات السنين ضد الحكومة التركية التي مارست ارهاب الدولة بحقهم و قدموا آلاف الشهداء في سبيل نيل حريتهم لكن كل ذلك لا يخول قيادات حزب العمال الكردستاني المتواجدة في قنديل استخدام قضية الكرد السوريين كورقة ضغط على أنقرة من خلال زجهم في معارك لا تخدم الا النظام السوري وحليفه ايران. المعادلة السورية معروفة النتائج حين يسقط النظام وهذا ما سيحصل عاجلا أم اجلا حينها لن يكون للحزب المذكور قبول في المنطقة لا من المعارضة السورية، لا من حلفاءها الاقليميين و لا الدوليين المتمثل بأوروبا و أمريكا، يبقى لديه أهم ركائز بقائه ألا وهي القاعدة الشعبية وممارساته اليوم هي التي تقرر حفاظه على حاضنته الشعبية الكردية أم فقدانه لها أيضا، لذلك من المهم جدا أن يعيد الحزب المذكور النظر في استراتيجيته اليوم قبل فوات الآوان.
الشعب الكردي في سورية الذى عانى الحرمان وذاق مرارة الظلم على مدى عقود من الزمن على أيدي الطغمة الحاكمة من حقه أن يكون شريكا فاعلا في بناء سورية الجديدة، ويستنشق هواء الحرية مع بقية مكونات المجتمع السوري وليس له طاقة بالعوم ضد التيار لعقود أخرى.


مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]