من السابق لاوانه الحكم على مصير الاتفاقية الامريكية/ الايرانية سلبا او ايجابا لأنها اتفاقية مؤقتة، ومشروطة بشروط ثقيلة على ايران للغاية، وبقدر ما تتيح الاتفاقية لايران بالتحرر الجزئي من بعض العقوبات المفروضة عليها، وبحقها بتخصيب اليورانيوم بذات النسبة التي حددتها الدول الغربية، حيث سوف تخضع المفاعل النووية الايرانية لمراقبة يومية، فإنها بالوقت نفسه وكما يبدو من بعض البنود التي تنص على التزام ايران بموقف اشبه بموقف الناي عن النفس في الشأن السوري واللبناني، حيث (تستمر أيضا جميع العقوبات الأميركية المتخذة في شأن إيران والتي هي على علاقة بدعم الإرهاب ولعب دور سلبي في النزاع السوري وسجلها في حقوق الإنسان)، مما يعني ان الاتفاق الامريكي / الايراني هو ابعد من قضية مفاعل نووي، فهناك اكثر من قضية ينبغي ان يتم الانتهاء منها، تاليا، ان الاتفاقية ينتظرها شغل كثير، وربما معوقات سوف تعترض مسارها في التفاصيل المنتظرة، سواء على صعيد شرح البنود او تطبيقها...

الاتفاقية اكدت حاجة ايران الى الولايات المتحدة الامريكية، ولولا هذه الحاجة لما لجات ايران الى الاتفاق مع الشيطان الاكبر، والحاجة كما يبدو مركبة، فهي ليست فقط رفع العقوبات، بل اضافة الى ذلك الانفتاح على العالم، وربما هذه الحاجة اعمق من سابقتها، فليس سرا ان ايران تعاني من خناق دولي، وهو ما اشتكت منه ايران كثيرا.
محللون سياسيون يتساءلون : هل ايران وحدها كانت بحاجة الى امريكا وهو شبه القارة وتملك مقومات عمل سياسي بارع، وكثافة سكانية شبابية هائلة، وتجربة سياسية وحربية غنية وشاقة؟
العراق يشخص احد مصاديق الجواب على هذا السؤال، فالعراق دولة منخورة، والقرار السياسي فيها ليس سياديا، وللارهاب فيها موطن قدم راسخة، والطوائف في نزاع وتجاذب طائفي مخيف، وجيشه منهك، ولم يستطع من التقاط مجرمي الارهاب الكبار الا بمساعدة واشنطن، ايران تستضعفة الى حد المهانة عبر صناع القرار السياسي الشيعي، وتركيا والسعودية تستضعفانه ايضا الى حد المهانة عبر القرار السياسي السني، والاكراد عينهم على تركيا خوفا وطمعا، والكويت تستمد وجودها الفاعل في البلد من (رشاها) السخية السابقة واللاحقة لكبار من السياسيين العراقيين، والاردن يعرف كيف يبتز البلد...
فهل هناك اكثر من هذه الاسباب التي تدعو الى تمتين العلاقة الامريكية / العراقية حسب نص الاتفاقية الامنية بين البلدين؟
لقد اثبتت المكونات السياسية العراقية ضعف قدراتها الفكرية والتحليلية والادراية،سواء كانت القائمة العراقية التي ما فتئت تتشظى، او التحالف الوطني الشيعي الذي اكد من خلال مواقفه انه حكوم إما بنوازع شخصية او عائلية او حزبية، فضلا عن كونه ضعيفا بين يدي العصا الايرانية الغليظة، او الاحزاب السنية التي لا تعرف بالضبط ماذا تريد، ولا تعرف الى اين تسير، والاحزاب الكردية تمر بعاصفة من الخلافات الحادة، زيادة على تذمر واضح داخل المكون الكردي من هذه الفوضى المخيفة، وعليه، لا سياسة واضحة في العراق، ولا خطة عمل واضحة، ولا هدف واضح، ولا آليات واضحة، وكل مكون من هذه المكونات يحس بالحاجة الى دولة كبيرة، وعليه، ما هو العائق دون اتفاق امريكي/ عراقي؟ وهل العراق اكثر ثورية من الجمهورية الاسلامية الايرانية، حيث يتوقع بعض المراقبين ان تكون على علاقة عضوية مع واشنطن وبالشروط الامريكية راجحا؟
محللون سياسيون يؤكدون ان اكثر هذه المكونات ترغم من اعماقها ان تكون هناك علاقة ستراتيجية بين بغداد وواشنطن، بما في ذلك التحالف الوطني الشيعي، بل هو اكثر المكونات رغبة بذلك، كي يتحرر من الضغط الايراني المدمر، ولكن هناك تحفظات وجاهية وامنية تحول دون هذا الاعلان، حتى اذا قال احدهم يوما (ان هذه الاتفاقية لطخة عار بتاريخ العراق) فيما هو يقدم بكل ذلة وصفاقة سيف ذي الفقار هدية الى رمسفيلد!!
هذه النوع من السياسة الصبيانية والانتهازية والغبية لا تنقذ العراق مما هو فيه!
هل من سياسي عراق شجاع يضع النقاط على الحروف؟