وأخيرا، هاهي الصفقة النووية quot;المرحليةquot;، بانتظار الصفقة النهائية، كما قالوا.
صفقة هي بمثابة هدنة نووية مؤقتة، لا تمس، [حسب فهمنا وحسب علمنا لحد الآن]، أي تفكيك- حتى جزئي- للمشروع النووي الإيراني، ولكنها تعلن عن قبول إيران بوقف تخصيب 20 بالمائة، ووقف إنتاج المزيد من أجهزة الطرد، وتجميد العمل في مصنع آراك النووي، الذي يمكن أن ينتج البلوتونيوم الضروري لصنع القنبلة، والقبول بالمراقبة. ومقابل تعهدات إيران، سوف تخفف العقوبات. أما عن التخصيب، فإن إيران تقول إن الاتفاق أقر لها بهذا الحق وهو ما نفاه البيت الأبيض!! وإيران تناور هنا، وتبث تصريحات ملتوية، منها ما أعلنته قبل أيام من أنها لا تسعى للاعتراف في الاتفاق بحق التخصيب لأن هذا الحق مضمون فعلا وفق اتفاقية منع الانتشار النووي!! هكذا التلاعب، وإلا فلا، لا! الجولة القادمة بعد ستة شهور، وهي الفترة التي اقترحتها إيران نفسها. ولماذا هذه المدة؟!

الحديث يتكرر عن امتحان حسن النوايا، وكأنها لم تمتحن منذ عشر سنوات، وكأن روحاني ليس هو نفسه الذي سبق وأن أبرم اتفاقا لنقل اليورانيوم المخصب لروسيا وفرنسا، ثم انقلب على ذلك الاتفاق بعد ان استغلوا الوقت لبناء المزيد من القدرات النووية. وبالنسبة لأجهزة الطرد، فلديهم حوالي 19000 جهاز، والاتفاق يطلب عدم إنتاج المزيد! لست من الخبراء النوويين، لكن لي ذاكرة تقول إن الدكتور البرادعي صرح للشرق الأوسط قبل حوالي ست سنوات بأن ما لدى إيران من يورانيوم مخصب بنسبة 3 ونصف بالمائة يكفي لصنع قنبلة نووية واحدة. والذاكرة تقول أيضا إنه فيما بعد نشرت التايمس اللندنية تقريرا استخباريا بريطانيا عن الطابع العسكري البحت للمشروع الإيراني. ثم نُشرت بعد ذلك تقارير استخبارية فرنسية وأميركية عن أن ما لدى إيران من المخصب يكفي لصنع ست قنابل نووية quot; بدائيةquot; كقنبلة هيروشيما. فهل سوف يتلف نظام الفقيه هذه الكميات؟ أم ينتظر الفرصة التي يوقتها للإعلان عن القنبلة ومباغتة العالم؟؟

لا داعي لتكرار الحديث عن الركض الأوباموي وراء أي اتفاق مع إيران منذ تسلمه الرئاسة. ونذكّر بالتقرير الاستخباري الأميركي في ديسمبر الماضي عما يتوقع حدوثه بعد 18 عاما. وجاء فيه أن النووي الإيراني سوف يرسم مستقبل الشرق الأوسط، استقرارا أو عدم استقرار، ومباشرة يتحدث عن توقع قيام أنظمة quot;أكثر اعتدالا وديمقراطيةquot; تجنح للسلام. وقد اقتنصت إدارة أوباما مجئ روحاني لتزفه للعالم كرمز للاعتدال الإيراني الذي يجب التعامل معه، دون أن تجهل الإدارة بأن روحاني هو واجهة خامنئي وحراس الثورة، وأنه كان قد تبوأ مسؤوليات مخابراتية ونووية كبرى من قبل.
إننا نتمنى لو حل في إيران نظام ديمقراطي منفتح حقا وحريص على السلام ومصالح شعوب المنطقة، ومصلحة شعب إيران أولا. فالشعب الإيراني يستحق ذلك دون شك، وهو صاحب حضارات عريقة وتضحيات كبرى من أجل الحرية. ولكن نظام خامنئي ليس هو ذلك النظام، ولا أقل منه. إنه يفاوض لكسب الوقت والتخفيف من الصعوبات الاقتصادية والمالية ومن سخط لمواطنين، بينما لن يتخلى عن طموحاته النووية والتوسعية. إنه يفاوض المجتمع الدولي في حين هو منهمك في الحرب على الشعب السوري. فهل قال له أي من المفاوضين كلاما يذكره بحربه الشعواء هذه؟! وهو يفاوض ويداه مطلقتا الحرية في تخريب العراق ولبنان، وعناصره تعبث وتخرب في اليمن والبحرين وأفريقيا، وحتى في أوروبا وأميركا اللاتينية. فهل المفاوضون المحترمون لا تهمهم في المفاوضات كل هذه الممارسات الإرهابية والتوسعية للنظام الذي يفاوضونه؟؟ إن الصمت عنها هو بمثابة اعتراف دولي عملي بأن لإيران حق الهيمنة على المنطقة والتصرف بها. ومقابل تنازلات جزئية وعلى الورق، سوف تستمر إيران في سياساتها والمضي نحو أهدافها. لقد أشادت الإدارة الأميركية ببشار الأسد لأنه تعهد بتسليم السلاح الكيميائي، في حين يواصل تقتيل الناس وتجويعهم وتهجيرهم. ومع ذلك، فإنه تنازل عن شيء مهم، وملموس، بينما التنازلات الإيرانية رهن الورق والوعود، والممارسات والمواقف الإيرانية أوسع نطاقا وأخطر. ولكن المفاوضات تناست أهل المنطقة، لاسيما الذين تهددهم القنبلة مباشرة، وفي المقدمة أهل الخليج.

حين نتحدث عن مفاوضات 5+1 مع إيران، فالأدق أنها مفاوضات ثنائية أميركية ndash; إيرانية، والبقية ساروا وراء واشنطن. وليس من الغرابة أن تقول الأنباء التي جلبت خبر الاتفاقية المؤقتة بأن الإدارة الأميركية كانت تجري سرا سلسلة اتصالات مباشرة ومتوازية مع طهران. فبماذا وعدهم اوباما غير ما نص عليه الاتفاق؟؟ لنترك ذلك لقادمات الأيام!