عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: quot;ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم بهquot; ويظهر جليا من الحديث أن الاسلام ساوى بين الايمان ومساعدة الفقراء، أي أن الإحجام عن مساعدة الفقير كفيل بنزع صفة الايمان عن الإنسان. وقال تعالى في كتابه العزيز quot; قالت الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَاquot; (الحجرات:14) فقد يشهر المرء إسلامه ويؤدي الشعائر جميعا، ولكنه لا يوقن بها في قلبه. وهذا ما رمت إليه الآية الكريمة في إشارة إلى المنافقين وقد رأينا كيف أن بعض المسلمين تجاهلوا عن دراية وقصد ملايين الفقراء إلى جوارهم ومن بني جلدتهم فيما ذهبت أموالهم إلى إنقاذ البنوك المنهارة في الخارج وإلى الجمعيات الخيرية في الخارج وإلى شراء لوحات فنية تقدر قيمتها بالملايين وإلى تبني فعاليات عالمية كلفت المليارات وأُهدِرت هذه الأموال وهي أموال العرب خرجت من أرضهم وفيها لكل منهم حق معلوم وغير معلوم. أليس هذا كفيلا بنزع صفة الايمان حسب الحديث الشريف؟

ولم يقف الحد عند التمرغ باللذات، بل لقد جاوزه إلى التخريب والتدمير بشتى الطرق التي كلفت مليارات الدنانير والدولارات والدراهم وشتى العملات المحلية والأجنبية وأعجزت المحللين النفسيين والسياسيين الذين لم يفلحوا في تشخيص هذه الظاهرة الخطيرة التي مات بسببها الملايين ولا يزالون يموتون. فمنهم من ردها إلى تعقيدات نفسية ومنهم من ردها إلى خطط استراتيجية ومؤامرات تحاك في الظلام ضد هذه الشعوب، ولا يزال الموقف غامضا وعصيا على الفهم والتفسير.

وحتى من قذف به قدره إلى البحث عن لقمة العيش لديهم وقف كوقوف الكريم بباب اللئيم معانيا شتى ضروب القهر والإذلال ليس فقط من المسئولين بل أيضا من المواطن العادي الذي تمت برمجته على أنه هو الأفضل ولولا أن الله اصطفاه لما حباه بتلك النعم وأعطاه كامل الصلاحية لكي ينكل بهذا المسكين المستجير من الرمضاء بالنار. وفي المقابل يلقى الوافد الغربي من الدول quot;الصديقةquot; العطايا وإكرام الموفد بل ويحظى بالطاعة والتبعية العمياء من جانب إخوتنا في الإسلام. فما بال هذه العربي المسلم صار يعيش ادزواجية مقيتة ظاهرها تقوى وورع وداخلها خبث وفجور؟ ورغم أن القنوات الاعلامية تجأر ليلا ونهارا بالشكوى من تدهور الأخلاق والقيم الإنسانية، فإن هذا العروبي أخذته العزة بالإثم ولم يرتدع بل إنه يرى من يموتون بسبب الجور والظلم على أرضه وهو يناكف وينكر ويصف الاتهامات بأنها مضخمة وكيدية. هل بعد الموت اليومي جرم أكبر؟

أما التحالف الاستراتيجي فهو مع الأعداء جملة وتفصيلا مدعوما بالمال والجهد اللامحدودين حتى مع الذين استباحوا الأرض والعرض العربي وقاموا بالقصف والتدمير والنهب والسلب. وقد رأينا البعض يقف عاجزا عن تصويب الأوضاع انطلاقا من أن الكف لا تضارب المخرز، ولكنهم على الأقل التزموا جانب الصمت وانتظروا فزعة الرحمن. ولكن المستهجن أن يجاهر بعض اخوتنا في العروبة والاسلام بالغي ويمدوا أواصر الود الخالص مع من يتربص بنا شرا.

ولعل هذا أحد أهم الأسباب التي تستوجب من الجميع ألا يرفع شعار الاسلام ولا أية ملة من الملل، لأنها ستار تحاك خلفه أبشع الخطط وتختبئ خلفه أقبح النوايا. فكم من شخص تستر خلف التقى والورع وارتكب أشد الموبقات ولم ينتبه له أحد لأنه كان متسربلا بثياب التقوى والورع. وعلى الذين يدعون التدين والتقوى أن يثبتوا ذلك بأي دليل غير لسانهم وجبتهم ولحيتهم.
سهى الجندي