في الوقت الذي أصبحت تسويات كلامية بين نظام الجمهورية الاسلامية في إيران والقوى الدولية حول برنامج النؤوي الايراني أكثر سخونة، يبدو هناك ما يبرر لدول الاخري في المنطقة لحيازة القنبلة النؤوية بسرعة ودون مماطلة. بينما يهدف النظام الدولي إقامة منطقة الشرق الاوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

الجميع يعرف ان التسوية التي جرت بين طهران والقوي الدولية كانت على حساب الشعوب في ايران اولاً، ثم جاءت المحادثات على حساب منطقة شرق الاوسط حيث تبددت نظريةquot; منطقة شرق الاوسط خالية من أسلحة الدمار الشاملquot; وتراجع هذا الحلم سريعاً وربما ستقوم كل من دول الخليج العربي ومصر بأنشاء أو تطوير برنامجها نؤوي لان الهدف الرئيسي للغرب من الضغط على إيران ليس للتخلص من برنامجها النووي وانما بهدف تعليقه لفترة ستة أشهر وهذا ما يثير القلق في المنطقة.

تقع المحادثات بين ايران والغرب تماما على طرفي نقيض حيث ايران تنازلت عن مشروعها المكشوف عنه تماماً ودون مقابل، وهذا ما يثير قلق دول المنطقة وخاصة الخليج العربي وبالتالي فإن أي تسوية مع الغرب أو تطبيع للعلاقات يتناقض مع طبيعة توقيف أو تعليق ايران أنشطتها النؤوية إلا ان هناك وضعت صفقات أخري تضمن لطهران دوراً اقليماً على حساب دول المنطقة. حيث هذا المشروع النؤوي يمثل الحلم الايراني كما سعى خامنئي طيل السنين الماضية في عرقلة كافة المساعي للتواصل الجاد مع نظام الدولي وضرب أي محاولات تستهدف بناء الثقة على المستوى الدبلوماسي بين طهران والقوى العالمية. وبينما تنظر إيران إلى نفسها وهي محاطة بالأعداء وقد أخفقت في تأسيس علاقات طيبة مع معظم الدول العربية فماذا يجعلها تتنازل بذلة عن مشروع العملاق النووي؟

اذا نظرنا الى الاستراتيجية الايرانية منذ الثورة الاسلامية، نظرياً وسياسياً وعسكرياً، لايوجد سبب واحد يقنع العالم أن ما قام به النظام في طهران من تنازل بهدف حماية نفسه فحسب وانما مشروع ايران التوسعي يجعلها في اشد حاجة للحصول على السلاح النؤوي، إما عن طرق المواجهة وأما عن طرق المساومة، وإما بالاتفاقيات لتجعل توازن القوة لمصلحتها، وتحمي اهدافها وتوسعها في الاقليم من خلال مكانتها الاقليمية مباشرة أو بالوكالة عن طريق الميليشيات في العالم العربي. بينما تؤكدطهران، آيديولوجيتها ليست توسعية متهمة المملكة السعودية بدعم الجماعات المسلحة والشعوب في الاقاليم البلوشيةوالعربية في جغرافية إيران.

رغم التغيير الأخير الذي أتى بالرئيس روحاني لوضع إيران على مسار شفاف في برنامجها النووي الا ان هذا التنازل الايراني في المشروع النؤوي ليس تخليا اراديا، وإنما رضوخاً للعقوبات الأقتصادية التي فرضت على بلاده مما جعل الوقوف إمام الانهيار الاقتصادي يقف على رأس سلم أولويات النظام في ايران. عندئذ ليس مستبعداً، ان تعمل طهران، في موازات برنامجها النؤوي المكشوف عنه، بدفع عجلة التخصيب فيما يخص الشق العسكري في برنامجها النؤوي السري وربماستنجح فيه إيران بالحصول على قنبلة نؤوية باقل من عام عبر المناورات السياسية.

دون شك، تجميد برنامج النووي الايراني نهائياً هو الحل المثالي، لكن انخراط حكومة الرئيس باراك أوباما في المحادثات، يُعطي إيران الثقة بأنها قادرة على إرغام المجتمع الدولي على السماح لها بأن تكون نؤوية، حيث لايمكن للعالم ان تراقب ايران الي الابد وعن كثب. هذا الواقع المرير الذي تتعايش معه الشعوب في المنطقة وهذا الواقع ما أُدخل في روعٍ، بلدان العربية، ويشكل خطرا عليهم وعلى توازن القوى في منطقة الخليج خاصة مما اوقعهم في خندق المطالبة بتجريد إيران من أية إمكانية للوصول إلى حيازة الأسلحة النووية. فاذا فشل الغرب بعدم تمكين طهران لتطوير سلاح نؤوي وبقيت المحادثات لحد نطاق حل المسائل الفنية وهي خطوة غير كافية لردع ايران، عندئذ ترغم بلدان المنطقة على شراء السلاح النووي، بهدف خلق نوع من التوازن بينها وبين ايران. حيث تقام استراتيجية الدول في الشرق الاوسط بالتعامل مع التهديد النؤوي الإيراني على احتمال واحد من ثلاثة احتمالات القائمة:
أ: إقامة علاقة تحالف مع قوى نووية
ب: التوصل إلى اتفاق يقضي بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي
ج: الحصول على القنبلة النؤوية

يرفض الاحتمال الاول، بعد النكسة التي تحملتها دول العرب وخاصة الخليج من الحليف الاميركي، بعدتواصل العلاقات الاميركية الايرانية،حيث اتضحت للكثير ان المنطقة مقبلة على تحالفات وتغيير جذري ولم تضمن بعدالتحالفات، مصالح بلدان العربية. وأما الاحتمال الثاني، مرفوض تماماً ايضاً في ظل سياسة ايران التوسعية رغم تراجع طهران موقتاً عن نشاطها النؤوي المكشوف عنه. وأما الاحتمال الثالث وارد رغم صعوبته حيث تتمكن دول المنطقة بالحصول على رؤوس نووية خلال أسابيع وستعدّل برنامجها لإنشاء مفاعل نووي ليشمل الشق العسكري وستدفع فشل ادارة الرئيس اوباما دول المنطقة الى جني السلاح النؤوي.

دول العربية لا تملك قنبلة نؤوية، ولا مشروعا عسكريا نووياً، لكن أليس من حقها شراء قنبلة بينما سمح الأميركيون لإيران ببناء سلاحها النووي وليس من حق بلدان المنطقة أن تحمي نفسها، وتحفظ ميزان القوة في الشرق الاوسط، في ظل الاتفاقيات الدولية الموقعة؟ لأن تاريخ ايران السياسي في المنطقة وخاصة في الخليج العربي حافلاً بالفوضي والصراعات والتدخلات وعندماينضج السلاح النووي الإيراني، لن يكون سلاحا دفاعيا، بل سيعمل وسيلة لردع الشعوب في جغرافية ايران ووسيلة للتدخل في نزاعات الإقليمية، وتحديدا في الخليج. وتجلب القنبلة النؤوية الايرانية الويل للشعوب والدول في المنطقة وجلب المزيد من المعارك والصراعات والتدخل الاجنبي.

واخيراً اقول، رغم قوة مبررات سياسة ادارة الرئيس اوباما في تجميدبرنامج ايران النؤوي لكن هذه التسوية تعطي دول منطقة شرق الاوسط الثقة وترغمها على بذل مساعيها للحصول على قنبلة نؤوية أو تطوير منشآت نؤوية. عندئذ أعتقد تتجه منطقة شرق الاوسط وسيما ايران ودول الخليج العربي الى صراعات غير علنية وتسعى ايران ان تتدخل في شئون دول العربية اكثراً بعد ما أُرغم المجتمع الدولي على السماح لها بأن تصبح قوة اقليمية وفي المقابل اصبح دعم الشعوب في جغرافية ايران الخيار الوحيد المتبقي للعرب ودول الخليج العربي خاصة.

آكاديمي وكاتب سياسي
[email protected]