اعتبرت ايران الاتفاق المرحلي حول برنامجها النووي انتصارا ديبلوماسيا واعترافا بحقها في تطوير قدراتها النووية. كما اعتبرت ادارة اوباما ان الاتفاق اختراق تاريخي. ولكن قوبل هذا الاتفاق بالازدراء من قبل كثير من الدول خاصة في منطقة الشرق الأوسط.

وكل طرف له اسبابه في الترحيب او الرفض حسب ما تمليه المصلحة. المخاوف من قبل الرافضين تتمحور حول استغلال ايران للاتفاق المؤقت لتبتز الغرب باطلاق يدها في المنطقة لبسط نفوذها وهيمنتها على المنطقة كما فعلت في ايران وسوريا ولبنان.

النووي الايراني لا يستهدف اسرائيل بل السعودية وحلفاءها

قبل التعليق على الصفقة الأخيرة اود الاشارة لمقال لي ظهر بتاريخ 20 تموز 2011 يتعلق بما قاله خبراء استراتيجيون في ندوة عقدت في لندن برعاية معهد السياسة الدولية Global Policy Institute حيث تحدث بعض الخبراء عن برنامج ايران النووي والنوايا الايرانية الحقيقية حيث استبعدوا فكرة ان الهدف من هذا البرنامج هو اسرائيل. وقالوا ان ايران ستعلن خلال الأعوام القليلة المقبلة عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية وستسخر هذه المقدرة لفرض ارادتها على المنطقة والمستهدف الأول هو المملكة العربية السعودية وليست اسرائيل. يجب التنويه ان هذا ما قاله خبراء اوروبيون وليس خبراء عرب او سعوديون.

الصفقة الأخيرة:

خلال ساعات قليلة بعد توقيع الاتفاق المرحلي في جنيفا ليلة الأحد الماضي (24 نوفمبر) أعلن الرئيس الايراني حسن روحاني ان الاتفاق المرحلي هو اعتراف رسمي بحق ايران في تطوير الطاقة النووية.

الصفقة تشمل تجميد النشاط الايراني النووي لستة شهور مقابل 4 مليارات دولار اطلقت لايران من موجودات ايرانية مجمدة تحت نظام العقوبات المفروض عليها.

ومن جهته رحب الرئيس الأميركي بالصفقة كما رحب بها بعض اصدقاء ايران من الدول الخاضعة للسيطرة الايرانية مثل العراق وسوريا. ولكن غالبية الدول في المنطقة لم تكن سعيدة بهذا الاتفاق الذي سيطلق يد ايرن في المنطقة ويمنحها المزيد من فرص التدخل في شؤون الدول المجاورة.

وبعنوان مليء بالتفاؤل ظهر تقرير في صحيفة النيويورك تايمز الأميركية الأحد ليعلن عن quot;التوصل الى اتفاق مع ايران لايقاف برنامجها النوويquot; وهذا خطأ فادح ولكن التقرير تدارك الأمر في التفاصيل عندما اوضح انه اتفاق مرحلي لتجميد بعض النشاطات لمدة 6 شهور.

وقبل توقيع الاتفاق بيوم واحد قال نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي للصحفيين: ان ايران لن توقع على اي اتفاق لا يقبل بحق ايران في الاستمرار ببرنامجها النووي.

ومن الواضح ان الرئيس اوباما كان متحمسا جدا لأي اتفاق يعفيه من اتخاذ موقف حاسم ضد ايران وكما فعل ايضا مع نظام بشار الأسد الذي استعمل السلاح الكيماوي عدة مرات دون حساب او عقاب. ولكن الصحف الأميركية ذات النفوذ نيويورك تايمز والواشنطن بوست أيدّت الاتفاق كخطوة لمستقبل آمن في الشرق الأوسط. هنا نستشعر بعض السذاجة والغباء الأميركي الذي وقع ضحية خديعة ايرانية ذكية.

ردود الفعل في الشرق الأوسط كانت متباينة. اسرائيل اعتبرت الاتفاق خطأ تاريخي لأنها لا تريد منافس نووي في المنطقة. الدول الخاضعة للسيطرة الايرانية مثل العراق وسوريا رحبتا بالاتفاق. السعودية رفضت الاتفاق لأنه يسمح لايران بأن تتصرف كما تشاء في المنطقة. حتى ان حسن نصر الله استبق الأمور حيث انه قال قبل اسبوعين لمؤيديه ان امريكا باعت حلفاءها وان ايران ستكون اقوى بعد التوصل الى اتفاق بشأن الملف النووي. ولكنه لم يوضح ان امريكا تبيع وتشتري لذا هل نفهم من تصريح الأمين العام لحزب الله ان اميركا اشترت ايران وحلفاءها؟

التصريحات الايرانية العنترية كشفت القناع عن النوايا الايرانية بتطوير قدراتها النووية وفرض سيطرتها على المنطقة.

تاريخ ايران في المراوغة ولعبة القط والفار تعود لعام 2005 وليست جديدة حيث اكتسب الطرف الايراني الخبرة والمهارة في التأجيل والتأويل والمماطلة والرفض والقبول وتغيير الرأي والتحدي والمراوغة والتضليل والاقتراب من حافة الهاوية ثم التراجع.

سمعنا تهديدات ايرانية باغلاق مضيق هرمز ثم التراجع عن ذلك عام 2006 وعام 2011.

قبل عامين وبتاريخ 8 نوفمبر 2011 اصدرت وكالة الطاقة النووية الدولية تقريرا يكشف عن تطوير ايران لرؤوس نووية بمساعدة روسية وكشفت عن مواقع سرية تم اجراء التجارب فيها. في ديسمبر 2011 هدد قائد البحرية الايرانية الأدميرال حبيب الله سياري باغلاق مضيق هرمز وحمل تهديده ضمنيا تهديد لدول الخليج العربي. وكل هذا يشير الى ان ايران لن تتخلى عن برنامجها النووي وتحقيق اهدافها التوسعية في المنطقة.

النقطة الأساسية في الموضوع هل يثق العالم بايران؟ على الصعيد الشخصي كنت مؤيدا لايران وكتبت مقالا عام 2008 عن النفاق النووي الذي يطالب ايران بالتخلي عن برنامجها النووي ويسكت عن اسرائيل.

للأسف الشديد أن هذا التأييد تبخر في ضوء وقوف ايران مع السفاح بشار الأسد في ارتكاب المجازر ضد شعبه وكنت ايضا معجبا ومؤيدا لحزب الله عندما كان مقاوما لاسرائيل وليس مدافعا عن طغاة دمشق ومشاركا في المجازر ضد اطفال سوريا.

نعرف ان الثقة بايران شبه معدومة في الشرق الأوسط باستثناء الدول الخاضعة للنفوذ الايراني مثل العراق وسوريا ولبنان من خلال حزب الله. هل يثق العالم بأن ايران ستحترم الاتفاق وهل ستلتزم بشروط الاتفاق؟ أم ستستغله للابتزاز السياسي في المنطقة.

أكاديمي ايراني يفضح أكذوبة مسح اسرائيل من الخارطة:

اعتاد المواطن العربي على سماع شعارات دمشق وطهران الكاذبة التي تروجها ايران لدغدغة الشارع العربي عن مسح اسرائيل من الخارطة وتحرير القدس هي اكاذيب وشعارات زائفة فقط لاستهلاك البسطاء والساذجين العرب الذين صدقوا أكاذيب نظام دمشق ونظام طهران. اسرائيل ليست العدو وليست المستهدفة ورأينا ذلك في هدؤ الجولان لمدة 40 عام. بينما يقوم نظام دمشق بشن حرب عشواء بدعم ايراني على شعبه الذي يطالب بالحرية تبقى جبهة الجولان هادئة وآمنة ومستقرة.

واستوقفني قبل يومين مقابلة أجرتها قناة فضائية تنطق باللغة الانجليزية مع أكاديمي ايراني تم استضافته عن طريق خدمة سكايب تتعلق باتفاق جنيفا. ومن ضمن الاسئلة التي طرحتها المذيعة كان يتعلق بالتهديدات الايرانية المستمرة بمسح اسرائيل من الخارطة. قال الأكاديمي الايراني: هذا كلام مغلوط وخاطيء وأوضح ان ما يعنيه القادة الايرانيون هو ان اسرائيل بسبب سياساتها الخاطئة سوف تزول تلقائيا. الآن نعرف ان اسرائيل ستختفي من الخارطة بطريقة طبيعية بسبب السياسات الخاطئة وليس كنتيجة لجهود محور الممانعة والمقاومة اللفظية.

لندن