جفت أقلامُ الكتاب في العالم العربي والغربي وهم يكتبون عن الصراع السوري، ولم تجف الدماء التي يريقها هذا الصراع. المعارك مستمرة، والقتال محتدم بين مختلف التنظيمات العسكرية وبعض الجيوش في المنطقة، ومع ذلك فما زال هناك من يسأل عن الجهات المعنية في الصراع.

قد يكون تعدد الجهات التي تشارك في الصراع من خارج سوريا وفق مصلحتها الخاصة، وتفرق جبهة الثوار كلاً وفق أهدافه، هي العنصر الأساسي في عدم وضوح الصورة العامة في سوريا. فهناك الجانب الأمريكي الذي يئن تحت وطأة حربه في أفغانستان والعراق، مما أضعف موقفه، فاستغلت روسيا الوضع للتحرك بقوة حسب مصالحها، وهي الآن تنجح في ذلك.

الأمر المتفق عليه هنا بين أمريكا وروسيا هو عدم الاكتراث بالدماء السورية التي تجري، والأرواح التي تُزهق هناك كل يوم منذ ثلاث سنوات تقريباً، او هكذا بدا على سياستهما تجاه الصراع السوري. ثم إن هناك دول الخليج وسعيها المضني في إنهاء الصراع عبر ما تبقى لدى أمريكا من قوة، وما يتردد من أنباء عن علاقة السعودية وقطر بجيش النصرة وجيش الإسلام، اللذين يُفترض أنهما يُقاتلان في جانبٍ واحد أمام جيش الرئيس بشار الأسد، إلا أن قوات الثوار العسكرية على مختلفها لم تنجح في توحيد صفوفها. ثم إن هناك إيران، وما يتردد من أن قائد الجيش الثوري الإيراني يدير معارك جيش الرئيس بشار الأسد وجيش حزب الله اللبناني من غرفةِ عملياتٍ مقرّها في إيران. بل إن ضابطاً برتبة عميد من الحرس الثوري الإيراني قد قُتل مطلع هذا الشهر في دمشق. إضافةً لهؤلاء، فهناك تركيا التي وقفت ضد الرئيس بشار الأسد منذ البداية ودعته إلى التنحي عن السلطة والنزول لرغبة الشعب، وهي -أي تركيا- من خلال مطالبتها هذه، تزجُّ بنفسها في صراعٍ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألةِ أمنٍ قوميٍّ حساس بالنسبة لها ويمثل نقطة ضعف، وهي المسألة الكردية. فالأكراد يتوزعون بين الأراضي السورية والتركية والعراقية وإيران، ولديهم هدفٌ هو تحقيق الحكم الذاتي لمناطقهم، تمهيداً لتوحيد دولتهم التي يطالبون بها. والأكراد في سوريا يشاركون في المعارك بطبيعةٍ تختلف عن شكل الصراع الدائر في سوريا، حيث يبدو وكأنهم لا يهتمون بمصير سوريا مقابل تحقيق هدفهم، فهم يحصلون على دعمٍ من جهاتٍ خارجية، لقتالِ مَنْ يسمونهم quot;المتطرفين الإسلاميينquot; داخل سوريا.

لم يُرَ في التاريخِ صراعٌ بين عدةِ جهات، يتم إمدادهم عبر جهاتٍ أخرى لديها مصالح متضاربة، ينتهي على طاولة مفاوضات. وإلا كانت فلسطين قد نعمت بالسلام منذ زمن. إذاً فالصراع في سوريا ليس مقدراً له أن ينتهي هكذا عبر مفاوضاتٍ يهيمن عليها جهاتٌ خارجية قوية، ترعى مصالحَ تهمها، دون مراعاةِ مصلحة الشعب السوري، الذي يستطيع لو تُرك لوحده أن ينهي ثورته ويقرِّر مصيره. ولكن الإملاءات الخارجية للأطراف المتعددة داخل سوريا سوف تجعلها فلسطين أخرى، أو ستقسِّمها إلى دويلاتٍ بين أطراف الصراع.

لقد نجحت إسرائيل بشكلٍ ملفت في عدم جلب الأنظار باهتمامها بالصراع السوري، ولكن التاريخ يعلمنا أن إسرائيل تلتزم الصمت حيال المسائل التي تشكل خطراً حقيقياً عليها، حتى يعدّوا خطتهم ليبدأوا بعد ذلك في التحرك. فقيامُ دولةٍ ذات توجّهٍ إسلاميٍّ على حدودها التي تتمتع بالديموقراطية والاستقرار الداخلي، سيجعل رؤساء إسرائيل وقادتها لا ينامون الليل. ولعل صمتهم المطلق عن الأحداث التي رافقت تسنم الإخوان السلطة في مصر، ثم التصريحات التي تداعت بعد عزل الرئيس محمد مرسي، مؤشرٌ لمسار السياسة الإسرائيلية في المنطقة. حتى أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كان قد أصدر تعليماتٍ تقضي بعدم التصريح في الشأن المصري، وذلك خلال رئاسة محمد مرسي. فإسرائيل، برغم صمتها عما يحدث في الصراع السوري، هي في الواقع موجودةٌ فيه، وهي لا تريد لسوريا أن تنعم بالسلام.