لقد اقترفت أنظمة الشرق الأوسط ومن شابهها في كل مكان، جريمة بشعة من غير جرائمها المعروفة، تلك التي أجبرت شعوبها على قبول أي بديل مهما كان غيرها حتى وصل الأمر لدى الكثير من المحبطين إلى تمني أن يحكم الاستعمار بلادهم بدلا من هؤلاء المستبدين، ونتذكر جميعا هنا في العراق وفي سوريا وليبيا، وكل مواطن الدكتاتوريات البشعة كم كان كثير من الأهالي يتمنون أن تحكم إسرائيل تلك البلدان بدلا من ظلم أنظمتها التي أذلتها أكثر من أي مستعمر في تاريخ المنطقة، بل إننا لو أحصينا عدد ضحايا تلك الأنظمة وقارناها مع ضحايا كل الحروب التي خاضتها تلك الدول مع إسرائيل أو غيرها لتبين لنا إن من قتل على أيدي الأنظمة الدكتاتورية أو بسببها أكثر أضعاف المرات من عدد ضحايا تلك الحروب مع إسرائيل أو غيرها!؟

ولن نغوص في تفاصيل ما حدث في العراق، فقد كان بشعا إلى الدرجة التي جعلت العديد من الأهالي يترحمون على نظام صدام حسين رغم دكتاتوريته وبشاعة حكمه، لكننا سنعرج إلى ما يجري الآن في سوريا وليبيا، اللتان تعانيان من ضبابية الموقف وهشاشة ( الثورة ) وخلط كبير في أوراق الأهالي، حيث تحولت ( الثورة ) إلى صراعات شللية بين جماعات أشبه ما تكون بعصابات كما يقول غالبية السكان في معظم المدن السورية والليبية، وإن ثوراتهم تحولت من انتفاضة شعب يطالب بتغيير النظام وإجراء إصلاحات جذرية، إلى جماعات وعصابات تحت مختلف التسميات، فهناك في سوريا مثلا كما يقول الأهالي؛ جماعة تركيا ومؤتمرات اسطنبول، وهؤلاء يطلقون عليهم اسم الجيش الحر وملحقاته من بعض التنظيمات السياسية الأخرى، إضافة إلى جماعات حسب الطول والعرض بمواصفات دول الجيران الأخرى، وهناك جماعة القاعدة وهذه تعمل لحساب منظمات إرهابية دولية في العراق وافغانستان وغيرها.
والجماعة الأكثر إثارة وشهرة بين الأهالي، هم اولئك الذين يطلقون عليهم جماعة الدولار، وفي معظمهم من رؤساء أحزاب أو مادون الرئيس بأقل من شبر ممن يمثلون دور ( السياسيين المناضلين ) الذين تركوا جمهورهم أو أحزابهم واختاروا فنادقا وشققا مؤثثة خارج سوريا طلبا للماء والكلأ، حيث ينعمون برغيد العيش من اجل الجماهير والثورة، والطامة الكبرى إن كثير منهم لم يتعرضوا إلى أي مضايقات من النظام لا قبل اندلاع الانتفاضة ولا أثنائها، بل إنه هناك اتهامات جدية من الأهالي للعديد من قيادات تلك ( الأحزاب البيتية أو القروية ) بعلاقات معينة مع أوساط النظام ومفاصله الخاصة، وإنهم إنما غادروا البلاد من اجل عملية استثمارية ومتاجرة سياسية لا أكثر ولا اقل!؟
جماعات الدولار هذه من خارج دائرة رجال الأعمال والمستثمرين أكثر خطورة في تأثيراتها الكارثية على نتائج التغييرات الحاصلة في أنظمة الشرق الأوسط، وقد شهد العراق وما يزال تداعيات تلك الجماعات التي اندست في العملية السياسية ومارست أبشع أدوارها الطفيلية في نخر النظام السياسي الجديد، إنهم حقا جماعات من اللصوص والمرتزقة الذين فقدوا نقطة الحياء من على جباههم، يتاجرون بقضايا الشعوب ويحيلون دماء أبنائها الغر الميامين إلى قناني الفودكا والويسكي على طاولات الفنادق وأوكار نضالهم المخزي، بينما يتلظى الشعب جوعا وحاجة وبطالة، ويفقد تدريجيا كل الخدمات ومقومات الحياة بما يجعله أكثر استكانة بين مطرقتي النظام الفاسد وعناقيد الطفيليات من هؤلاء المتاجرين والمقامرين بأوطانهم وشعوبهم، الذين أوصلوا الكثير من الأهالي إلى أن يتحسروا على نظام صدام حسين والقذافي وبشار الأسد!؟