إنهم العرب الأكثر عرضة لعدوانية إيران ونشاطاتها التخريبية واحتلال أراضيهم.
في مقال سابق، فسرت الاتفاق النووي ونتائجه بتتويج أميركي- دولي لدور الهيمنة الإيرانية في المنطقة مقابل ما يشبه تنازلات جزئية لفظية، سرعان ما فسرتها إيران بما يناقض التفسيرات الأميركية. ومن ذلك موضوع quot; الحق في التخصيبquot;، حيث أعلن روحاني نفسه بعد الاجتماع مباشرة بأن quot;حق إيران في التخصيب مذكور بوضوح في نص الاتفاقquot;، وهو ما نفاه البيت الأبيض. أما رئيس منظمة الطاقة الإيرانية، صالحي، فذهب للتصريح بان التخصيب حق لإيران quot;حتى لحد 100 بالمائةquot;. وبعدهما، يأتي وزير خارجيتهم للتصريح بان العمل سيستمر في مفاعل آراك للماء الثقيل مع أن الغربيين أصروا على تجميد العمل فيه، وجاء ذلك في نص الاتفاق. هكذا، ما أن مضت ساعات وأيام قليلة على الاتفاق quot; المرحليquot;، حتى راحت إيران تفسره كما تشاء، وبما يعني الإصرار على المضي قدما في هوسها النووي العسكري . إذن، فكيف تؤتمن إيران وروحاني بالذات، الذي سبق وان انقلب على اتفاق منذ سنوات وقع هو عليه؟!
وبصرف النظر عن الاتفاق النووي المرجرج هذا، فإن ما يريد العالم نسيانه، وينساه حكام وكتاب عرب، هو أن فصل النووي الإيراني عن العدوانية والتدخلات الإيرانية في سوريا ولبنان والعراق واليمن والخليج، وعن احتلالها لأراض عربية، وعن نشرها للطائفية، وعن تعاونها مع القاعدة وطالبان، وعن تمويلها وتسليحها لحزب الله وبقية المليشيات الطائفية الإرهابية؛ إن هذا الفصل هو ما يجب أن يثير القلق الأكبر وليس مجرد الاتفاق لوحده. ولكن يبدو أن من أمراض السياسية العربية عدم الاتعاظ بالتجارب المرة السابقة، والانخداع بالتطمينات والتصريحات المراوغة، والميل لتقديم التنازلات مقابل لا شيء ملموس ومهم. ولولا هذا لما جاء بيان وزراء الخارجية الخليجيين على هذا النحو المائع، حسبما نشر. ويكفي أن أكثر الأصوات ترحيبا بالاتفاق صوتا الأسد والمالكي. أما إذا كان الموقف ناجما عن تطمينات أميركية، فقد آن الأوان لإدراك أن إدارة أوباما لم تعد تعير المنطقة نفس الأهمية السابقة، وأنها اعتادت على خذل حلفاء واشنطن، والركض وراء الأعداء. وهي تسعى منذ سنوات للتوصل لأية صفقة كانت مع نظام الفقيه تحت وهم كسبه لتولي quot;رعايةquot; المنطقة وزعامتها ولعب دور جندرمتها. إنها لم تأبه حتى لحلفائها الأطلسيين حين كانت تدير باحثات سرية على مستويات عالية مع إيران خلال مباحثات جنيف، مثلما خذلتهم في الموضوع السوري باتفاقها مع روسيا دون التشاور المسبق معهم.
أمين الجامعة السيد العربي سبق وأن صرح منذ شهرين لquot;الشرق الأوسطquot; :quot;أتوقع سياسة إيرانية تؤكد عدم التدخل في شؤون الدول قولا وفعلا.quot; فعلى أية مؤشرات وحقائق كان تفاؤله، وهو الذي سبق له، ما ان أزيح مبارك، حتى فتح قنوات مع إيران دون مقابل، برغم نشاطاتها التخريبية في مصر [ خلية حزب الله مثلا].
نعم، وألف مرة نعم، للدبلوماسية لحل المسائل الدولية والإقليمية الشائكة، ومنها العلاقات مع إيران ومشروعها النووي. فكفى العالم والمنطقة حروبا ونزاعات مسلحة وانتشارا نوويا. ولكن الدبلوماسية ليست سحرا، ولا ينبغي أن تتحول لمخدر يقتل اليقظة ويمحو من الذاكرة دروس تجارب طويلة وعريضة، سابقة وراهنة، في التعامل مع نظام طائفي توسعي قام علنا على مبدأ quot; تصدير الثورةquot;، ويشن حربا ماحقة في بلد عربي.
أهذا التقييم quot; فزعquot;؟؟ هل هو تحيز أعمى؟ كلا، ولكنه وجهة نظر تنطلق من واجب الاتعاظ بالدروس السياسية القاسية، وعدم منح ثقة مجانية لمن لا يستحقونها. والأيام بيننا! وأرجو أن تكذبني الأيام، فيرتاح الجميع مع إيران ديمقراطية مسالمة، تحول مرشدها الحاكم المطلق إلى حمامة سلام، وأعاد الأراضي لأهلها، وتخلى عن هدف القنبلة، وأوقف تعاونه مع القاعدة، وحارب الطائفية والمليشيات، وركز على سعادة شعبه بدلا من هوس الهيمنة الإمبراطورية النووية، ومارس سياسة حسن الجوار والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية. ...